ومع ذلك ﴿قَلِيلاً
ما تَشْكُرُونَ﴾ تلك النّعم العظام. وهو نظير قوله : ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ
عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾.
﴿وَلَقَدْ
خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
فَسَجَدُوا إِلاَّ
إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)
قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا
خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ
تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ
الصَّاغِرِينَ (١٣)﴾
ثمّ نبّه
سبحانه على عدم انحصار نعمه بالتّمكين في الأرض وخلق ما يعيشون به ، بل أصل الوجود
الذي هو أعظم النّعم منه تعالى ، بقوله : ﴿وَلَقَدْ
خَلَقْناكُمْ﴾ وأخرجناكم من العدم إلى الوجود ، مبتدئا بخلق أبيكم آدم
من طين ﴿ثُمَّ
صَوَّرْناكُمْ﴾ بأحسن صورة بعد خلق آدم وتصويره ونفخ الرّوح فيه.
عن الباقر عليهالسلام : « أمّا ( خلقناكم ) فنطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة ثمّ عظما
ثمّ لحما ، وأمّا ( صورناكم ) فالعين والأنف والأذنين والفم واليدين والرّجلين ،
صوّر هذا ونحوه ، ثمّ جعل الدّميم والوسيم والجسيم والطّويل والقصير ، وأشباه هذا » .
في أمر الله الملائكة بالسجود لآدم
ثمّ لمّا كان
خلق الإنسان من آدم عليهالسلام ، وكان إكرام الأب منّة على الأبناء ، أتبع نعمة الخلق
ببيان إكرام آدم عليهالسلام بإسجاد الملائكة له بقوله : ﴿ثُمَّ قُلْنا
لِلْمَلائِكَةِ﴾ جميعا : ﴿اسْجُدُوا
لِآدَمَ﴾ تكريما له ، وقيل : لمّا كان خلق نوع البشر بخلق أوّل
فرد منه ، كنّى سبحانه عن خلق أبي البشر بالخطاب إلى النّوع ، وعلى أيّ تقدير ﴿فَسَجَدُوا﴾ كلّهم لأدم من غير ريث ﴿إِلَّا
إِبْلِيسَ﴾ فإنّه وحده خالف أمر ربّه و﴿لَمْ يَكُنْ مِنَ
السَّاجِدِينَ﴾ لآدم ، فعاتبه جلّ جلاله ، و﴿قالَ﴾ : يا إبليس ﴿ما
مَنَعَكَ﴾ عن طاعتي ، وأيّ شيء أجرأك على ﴿أَلَّا تَسْجُدَ﴾ لآدم ﴿إِذْ
أَمَرْتُكَ﴾ مع الملائكة بالسّجود له ، وحين أوجبته عليك.
﴿قالَ﴾ إبليس : كيف أمرتني بالسّجود لآدم و﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ وأفضل ؟ ولا يجوز أمر الأفضل بالسّجود والتّواضع
للمفضول ، أمّا فضيلتي على آدم فلأنّك ﴿خَلَقْتَنِي
مِنْ نارٍ﴾ وهي حقيقة لطيفة مشرقة علويّة فعّالة ﴿وَخَلَقْتَهُ مِنْ
طِينٍ﴾ كثيف ثقيل ، مظلم منفعل ، ومن الواضح أنّ المخلوق من
الأفضل أفضل.
في عدم جواز القياس في الدين
عن ابن عبّاس
أنّه قال : كانت الطّاعة أولى بإبليس من القياس ، فعصى ربّه وقاس ،
__________________