﴿أَوْلِياءَ﴾ وآلهة محبوبين ، فاذكروا ما ينفعكم ، واتّعظوا بمواعظ الله ، ولكنّ زمانا أو تذكّرا واتّعاظا ﴿قَلِيلاً ما﴾ وفي غاية القلّة ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ وتتعظون ، لشدّة قساوة قلوبكم ، وغلبة شهواتكم.
ويمكن أن يكون توصيف تذكّرهم بالقلّة بملاحظة قلّة المتذكّرين.
﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ * فَما كانَ دَعْواهُمْ
إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤) و (٥)﴾
ثمّ لمّا كان التّخويف بعذاب الاستئصال في الدّنيا أردع لهم من الكفر والقبائح ، شرع سبحانه في تهديد المشركين على شركهم وعدم اتّعاظهم واتّباعهم لكتاب الله ، ومعارضتهم الرّسول وتكذيبه بما نزل على الامم الماضية - المعارضين للرّسل ، التّابعين للشّياطين - من عذاب الاستئصال في الدّنيا بقوله : ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ من القرى ، وكثيرا من بلدة من البلاد ﴿أَهْلَكْناها﴾ وأردنا إفناء أهلها عقوبة على شركهم وإصرارهم على الكفر ، ومعارضة الأنبياء ، وانهماكهم في الشّهوات ، وتعرّضهم على قبائح الأعمال.
ثمّ بيّن سبحانه كيفيّة إهلاكهم بقوله : ﴿فَجاءَها بَأْسُنا﴾ وقرب منها عذابنا ، إمّا ﴿بَياتاً﴾ وليلا وهم مستريحون غافلون عنه ، كقوم لوط ﴿أَوْ﴾ نهارا و﴿هُمْ قائِلُونَ﴾ نائمون غير متوقّعين سوءا ومكروها ، كقوم شعيب ، اهلكوا في وسط النّهار وهم قائلون. فلا يغترّ هؤلاء الكفرة بحال الأمن والرّاحة ، فإنّ عذاب الله يقع دفعة وبغتة.
قيل : إنّ ذكر نزول العذاب في الوقتين ، لاختصاصهما بالرّاحة ، وعدم توقّع العذاب فيهما ، ولذا كان أشدّ ، كما أنّ النّعمة غير المرتقبة ألذّ.
﴿فَما كانَ دَعْواهُمْ﴾ وتضرّعهم ، كما عن ابن عبّاس (١)﴿إِذا جاءَهُمْ﴾ ونزل عليهم ﴿بَأْسُنا﴾ وعذابنا شيئا ﴿إِلَّا أَنْ قالُوا﴾ اعترافا باستحقاقهم له وندامة على شركم وطغيانهم : يا ويلنا ﴿إِنَّا كُنَّا﴾ من قبل ﴿ظالِمِينَ﴾ باختيار الشّرك ، وارتكاب السيّئات.
﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما
كُنَّا غائِبِينَ (٦) و (٧)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ١٤ : ٢١.