ثمّ هدّدهم الله بأهوال يوم القيامة بقوله : ﴿فَلَنَسْئَلَنَ﴾ توبيخا وتقريعا كافّة الامم ﴿الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾ الرّسل ، عمّا أجابوهم بعد دعوتهم إلى الهدى ودين الحقّ ، ونقول : ماذا أجبتم المرسلين ؟ ﴿وَ﴾ والله ﴿لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ عن تأدية الرّسالة ، وعمّا اجيبوا به من ردّ وتكذيب ، أو قبول وطاعة ، فيقولون تشكيّا من اممهم : لا علم لنا إلّا ما علّمتنا.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « فيقام الرّسل فيسألنّ عن تأدية الرّسالات التي حملوها إلى اممهم ، فيخبرون أنّهم قد أدّوا ذلك إلى اممهم ، وتسأل الامم فيجحدون ، كما قال الله : ﴿فَلَنَسْئَلَنَ﴾(١) الآية» .
وفائدة هذا السّؤال تضعيف (٢) الإكرام للرّسل ، والإهانة والفضيحة للكفّار.
﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ﴾ ولننبّئنّ لهم (٣) جميعا جميع ما صدر عنهم من التّبليغ والإنكار والمعارضة ﴿بِعِلْمٍ﴾ كامل منّا بظواهرهم وبواطنهم ، لأنّا كنّا شاهدين عليهم ، مطّلعين على خفيّاتهم ﴿وَما كُنَّا غائِبِينَ﴾ عنهم في حال من الأحوال ، ولا غافلين عن أعمالهم وأحوالهم في آن من الآنات.
﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ
مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٨) و (٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد تهديد المشركين بالسّؤال عنهم (٤) يوم القيامة ، هدّدهم بوزن الأعمال وعقائدهم بقوله : ﴿وَالْوَزْنُ﴾ لأعمال النّاس وعقائدهم : تعيين راجحها ومرجوحها ، وجيّدها ورديئها ﴿يَوْمَئِذٍ الْحَقُ﴾ الثّابت بحيث لا مجال للرّيب فيه.
في بيان الوجوه والأقوال في الميزان
إنّما الكلام في الميزان والموزون. أمّا الأوّل : فمجمل القول فيه أنّ الميزان في القيامة حسّي ومعنوي ، أمّا الحسّي : فالحقّ أنّه ينصب ميزان له عمود وكفّتان ، في بعض الرّوايات العاميّة : طول عموده خمسون ألف سنة ، وإحدى كفّتيه من نور فيوضع فيها الحسنات ، والاخرى من الظّلمة يوضع فيها السيّئات (٥) .
وعن ابن عبّاس رضى الله عنه : أنّه تعالى ينصب ميزانا له لسان وكفّتان يوم القيامة يوزن به أعمال العباد خيرها وشرّها (٦) .
وعن عبد الله بن سلّام : أنّ ميزان ربّ العالمين [ ينصب ] بين الجنّ والإنس ، يستقبل به العرش ، إحدى كفّتي الميزان على الجنة ، والاخرى على جهنّم ، ولو وضعت السّماوات والأرض في إحداهما
__________________
(١) الاحتجاج : ٢٤٢ ، تفسير الصافي ٢ : ١٨٠.
(٢) أي مضاعفة.
(٣) كذا ، والظاهر : ولننبّئنّهم.
(٤) كذا ، والظاهر : بسؤالهم.
(٥) تفسير روح البيان ٣ : ١٣٧.
(٦) تفسير الرازي ١٤ : ٢٤.