وشهواتها ، فلم يؤمنوا بالرّسل ﴿وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ﴾ في القيامة ﴿أَنَّهُمْ كانُوا﴾ في الدّنيا ﴿كافِرِينَ﴾ بالبعث ودار الجزاء.
قيل : تشهد جوارحهم عليهم بالشّرك (١) وإنكار الحشر.
﴿ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١)﴾
ثمّ أشار سبحانه إلى حكمة بعث الرّسل بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ المذكور من إرسال
الرّسل ، والتّبليغ والإنذار ، لأجل ﴿أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ﴾ مع كمال عدله وحكمته ﴿مُهْلِكَ﴾ أهل ﴿الْقُرى﴾ ومعذّبهم بعذاب الاستئصال ﴿بِظُلْمٍ﴾ صادر منهم ، أو متلبّسا بظلم منه على القرى ﴿وَ﴾ الحال أنّه ﴿أَهْلُها غافِلُونَ﴾ عمّا يسخطه ويرضاه ، معذورون في عصيان أوامره ونواهيه لجهلهم بها حتّى يكون لهم على الله حجّة ، ويصحّ قولهم : ﴿رَبَّنا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(٢) .
وحاصل الآية أنّ إرسال الرّسول وإنزال الكتاب ، إنّما كان لإتمام الحجّة على النّاس ، ولولاه كان تعذيبهم على مخالفة الأحكام مع جهلهم بها ظلما ممتنعا صدوره من الله ؛ لمنافاته لربوبيّته والوهيّته.
﴿وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢)﴾
ثمّ لمّا كان بعد إرسال الرّسل وإتمام الحجّة على النّاس تفاوت فاحش بينهم في الإيمان والكفر والطّاعة والعصيان ، نبّه سبحانه بعلمه بمراتب استحقاقاتهم المختلفة بقوله : ﴿وَلِكُلٍ﴾ من مكلّفي الجنّ والإنس ؛ كفّارهم ومؤمنيهم ﴿دَرَجاتٌ﴾ ومراتب متفاوتة في القرب من الله والبعد عنه ، وفي مقدار استحقاق المثوبة والعقوبة ، حاصلة تلك الدّرجات لهم ﴿مِمَّا عَمِلُوا﴾ من الحسنات والسّيّئات ﴿وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ وجاهل بما يرتكبون من الطّاعة والعصيان ، وبمراتب استحقاقاتهم ؛ فيجزي كلّ عامل على حسب استحقاقه.
﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما
أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣)﴾
ثمّ أعلن سبحانه بغناه عن طاعة الخلق بقوله : ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُ﴾ المطلق بذاته لا حاجة له إلى طاعة
__________________
(١) تفسير الرازي ١٣ : ١٩٦.
(٢) القصص : ٢٨ / ٤٧.