ثمّ نبّه سبحانه على كمال سلطنته ببيان أنّ إيمان المؤمن وكفر الكافر بإرادته وتوفيقه وخذلانه بقوله : ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ﴾ إلى السّعادة الأبديّة ومقام قربه ورحمته بتعريفه وتوفيقه للإيمان ﴿يَشْرَحْ﴾ ويوسّع ﴿صَدْرَهُ﴾ وقلبه ﴿لِلْإِسْلامِ﴾ بتجليته من الأخلاق الرّذيلة ، وتجلية عين بصيرته بنور العقل ، فيرى الحقّ ويبادر إلى قبوله بسهولة ورغبة.
روي أنّه لمّا نزلت هذه الآية سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله عن شرح الصّدر [ ما هو ] . فقال : « [ نور ] يقذفه الله في قلب المؤمن ، فينشرح له [ صدره ] وينفسح » . فقالوا : هل لذلك أمارة يعرف بها ؟ فقال : « نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتّجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله » (١) .
﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ﴾ ويحرفه عن طريق الحقّ ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ﴾ بسبب تراكم الأخلاق السّيّئة كالكبر والحسد وحبّ الجاه والمال فيه ﴿ضَيِّقاً حَرَجاً﴾ شديد الضّيق بحيث لا يبقى فيه مجال لتمكّن الحقّ ، أو منسدّ المنافذ بحيث لا تدخل فيه المواعظ والمعارف.
عن الصادق عليهالسلام ، [ أنه ] قال لموسى بن أسمر (٢) : « أتدري ما الحرج ؟ » قال : قلت : لا ، فقال بيده وضمّ أصابعه ، كالشيء المصمت الذي لا يدخل فيه شيء ، ولا يخرج منه شيء (٣) .
وعنه عليهالسلام ، في هذه الآية ، قال : « قد يكون ضيّقا وله منفذ يسمع منه ويبصر ، والحرج هو الملتئم الذي لا منفذ له يسمع به ولا يبصر منه » الخبر (٤) ولذا ينبو عن قبول الحقّ ، ويكون إيمانه في امتناعه منه وثقله عليه ﴿كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ﴾ ويعرج إليها ﴿كَذلِكَ﴾ الضّيق الذي جعل الله لصدر الكافر ﴿يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ﴾ والشكّ. كما عن الصادق عليهالسلام (٥) . أو العذاب ، أو اللّعنة في الدّنيا والعذاب في الآخرة. وعن ابن عبّاس رضى الله عنه : هو الشّيطان ، أي يسلّطه (٦)﴿عَلَى الَّذِينَ﴾ يعلم أنهم بسبب خبث ذاتهم وسوء اختيارهم ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ بمحمّد صلىاللهعليهوآله ودين الإسلام أبدا.
عن الرضا عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « من ﴿يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ﴾ بإيمانه في الدّنيا إلى جنّته ودار كرامته [ في الآخرة ]﴿يَشْرَحْ صَدْرَهُ﴾ للتّسليم لله والثّقة به ، والسّكون إلى ما وعده من ثوابه حتّى يطمئنّ إليه ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ﴾ عن جنّته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدّنيا ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً﴾ حتّى يشكّ في كفره ، ويضطرب من اعتقاده قلبه حتّى يصير ﴿كَأَنَّما
__________________
(١) مجمع البيان ٤ : ٥٦١ ، تفسير الصافي ٢ : ١٥٥.
(٢) في تفسير العياشي : لموسى بن أشيم.
(٣) تفسير العياشي ٢ : ١١٩ / ١٤٩٠ ، تفسير الصافي ٢ : ١٥٥.
(٤) معاني الأخبار : ١٤٥ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ١٥٥.
(٥) تفسير العياشي ٢ : ١١٩ / ١٤٩١ ، تفسير الصافي ٢ : ١٥٦.
(٦) تفسير الرازي ١٣ : ١٨٤.