ثمّ أنكر عليهم الاحتراز عن أكل ما حرّمه المشركون على أنفسهم ، وإن ذكر اسم الله عليه ، بقوله : ﴿وَما لَكُمْ﴾ من العذر في ﴿أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ﴾ حين ذبحه أو نحره ، ﴿وَ﴾ الحال أنه ﴿قَدْ فَصَّلَ﴾ وشرح ﴿لَكُمْ﴾ في كتابه بقوله : ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾(١) الآية ، أو قوله : ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ﴾(٢) الآية ، أو بالوحي على لسان نبيّه صلىاللهعليهوآله ﴿ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ من الحيوانات ﴿إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ من المحرّمات ، فإنّ الضّرورات تبيح المحذورات ﴿وَإِنَّ كَثِيراً﴾ من النّاس كعمرو بن لحي الذي غير دين إسماعيل ، وحرّم كثيرا من الأنعام ، وأباح الميتة ، ومن بعده من المشركين ﴿لَيُضِلُّونَ﴾ الضّعفاء عن طريق الحقّ بترغيبهم إلى عبادة الأصنام ، وأكل الميتة ، والتّحرّج عن أكل السائبة والوصيلة وأخواتهما وإن ذكر اسم الله عليها ، والاحتجاج بالاعتبارات السّخيفة ﴿بِأَهْوائِهِمْ﴾ الزائغة والشّبهات الفاسدة ، و﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ وحجّة قاطعة ، واقتباس من الشّريعة.
ثمّ هدّدهم بقوله : ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾ والمتجاوزين عن حدود الله بتحليل ما حرّم وتحريم ما أحلّ ، فيعاقبهم في الآخرة أشدّ العقاب.
﴿وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا
يَقْتَرِفُونَ (١٢٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الإشارة إلى حرمة الميتة ، وتفصيل المحرّمات من الحيوان ، نهى عن مطلق معاصيه بقوله : ﴿وَذَرُوا﴾ واتركوا أيّها المؤمنون ﴿ظاهِرَ﴾ الذّنب وعلنه ممّا يعمل بالجوارح ، فإنّه سبب ﴿الْإِثْمِ﴾ والعقاب ﴿وَباطِنَهُ﴾ وسرّه ممّا يفعل في القلب ، كإرادة السّوء ، والكبر ، والحسد ، وغيرها.
وقيل : إنّ أهل الجاهلية كانوا يرون الزّنا في السرّ حلالا ، فحرّم الله تعالى بهذه الآية السرّ منه والعلانية (٣) .
ثمّ هدّد سبحانه المرتكبين للذّنب بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ﴾ ويرتكبون ﴿الْإِثْمِ﴾ والعصيان ﴿سَيُجْزَوْنَ﴾ ويعاقبون في الآخرة ﴿بِما كانُوا﴾ في الدنيا ﴿يَقْتَرِفُونَ﴾ ويرتكبون.
﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى
أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)﴾
__________________
(١) المائدة : ٥ / ٣.
(٢) الأنعام : ٦ / ١٤٥.
(٣) تفسير الرازي ١٣ : ١٦٧.