ثمّ أمر الله تعالى نبيّه صلىاللهعليهوآله بأن يجيبهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ لهم ﴿إِنَّمَا الْآياتُ﴾ وخوارق العادات كلّها ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وبقدرته وإرادته ، لا بقدرتي وإرادتي ، وهو يظهر منها ما يشاء وتقتضيه حكمته.
ثمّ بيّن سبحانه حكمة عدم إحابتهم مخاطبا للمسلمين المشتاقين إلى إيمانهم بقوله : ﴿وَما يُشْعِرُكُمْ﴾ وأيّ شيء يعلمكم أيّها المؤمنون حين سألوا الآية ﴿أَنَّها إِذا جاءَتْ﴾ يؤمنون بها ، فإنّا نعلم أنّهم ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ بها ويصرّون على كفرهم ، فينزل عليهم عذاب الاستئصال ، كما نزل على أصحاب المائدة ، فيكون في ترك إجابتهم إمهالهم ، ورحمة بمن في أصلابهم.
قيل : كلمة ( أنّ ) في ﴿أَنَّها إِذا جاءَتْ﴾ بمعنى ( لعلّ ) ، والمعنى لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون (١) . وقيل : إنّ ( لا ) في ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ زائدة (٢) .
﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ
يَعْمَهُونَ (١١٠)﴾
ثمّ بيّن سبحانه علّة عدم إيمانهم بالآيات بقوله : ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ﴾ ونحوّل قلوبهم عن قبول الحقّ إلى إنكاره ، أو نطبع عليها فلا يفهمون وجه الإعجاز في الآيات ، ﴿وَ﴾ نحوّل ﴿أَبْصارَهُمْ﴾ ونعميها عن رؤية ما انزل لفساد استعدادهم ، وخباثة طينتهم ، وسوء أخلاقهم ، فلا يؤمنون به ﴿كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ﴾ مع كمال ظهوره ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ وفي بدو الأمر. عن القمّي : يعني في الذر والميثاق (٣) .
عن الباقر عليهالسلام ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ﴾ يقول : نقلّب (٤) قلوبهم ، فيكون أسفل قلوبهم أعلاها ، ونعمي أبصارهم فلا يبصرون الهدى.
وقال عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : أوّل ما يقلبون عنه من الجهاد الجهاد بأيديكم ، ثمّ الجهاد بألسنتكم ، ثمّ الجهاد بقلوبكم ، فمن لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر منكرا ، نكّس قلبه وجعل أعلاه أسفله ، ولم يقبل خيرا أبدا » (٥) .
﴿وَنَذَرُهُمْ﴾ ونتركهم ﴿فِي طُغْيانِهِمْ﴾ وعتوّهم عن قبول دينك حال كونهم ﴿يَعْمَهُونَ﴾ عن الحقّ ، ويتحيّرون فيه ، عقوبة لهم على ترك إيمانهم بك في أوّل بعثتك.
﴿وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما
__________________
(١) تفسير الرازي ١٣ : ١٤٤.
(٢) مجمع البيان ٤ : ٥٣٩.
(٣) تفسير القمي ١ : ٢١٣ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤٩.
(٤) في تفسير القمي وتفسير الصافي : ننكّس.
(٥) تفسير القمي ١ : ٢١٣ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤٩.