من الكفّار ﴿عَمَلَهُمْ﴾ السّيّء.
قيل : يعني في زعمهم حيث قالوا : إنّ الله أمرنا بها (١) .
وقيل : يعني : أمهلناهم وخلّيناهم وشأنهم حتّى حسن عندهم سوء عملهم ، أو أمهلنا الشّيطان حتّى زيّن لهم (٢) .
وقيل : إنّ المراد : زيّنا لكلّ من المؤمنين والكافرين عملهم من الخير والشّرّ ، والطاعة والعصيان ، بإيجاد ما يمكّنهم منه توفيقا وخذلانا (٣) .
﴿ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ﴾ والمالك لأمرهم ﴿مَرْجِعُهُمْ﴾ بعد الموت ، أو البعث يوم القيامة ﴿فَيُنَبِّئُهُمْ﴾ ويخبرهم ﴿بِما كانُوا﴾ في الدّنيا ﴿يَعْمَلُونَ﴾ من الحسنات والسيّئات بإعطائهم الجزاء المستحقّ.
﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ
اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية طعن المشركين في القرآن بكونه من تعليمات أهل الكتاب ، حكى طعنهم في نبوّة صلىاللهعليهوآله النبي بأنّه لا يقدر على ما اقترحنا عليه من المعجزة ، بقوله : ﴿وَأَقْسَمُوا﴾ وحلفوا ﴿بِاللهِ﴾ وكان يمينهم ﴿جَهْدَ أَيْمانِهِمْ﴾ وأغلظها وأشدّها ﴿لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ﴾ ممّا اقترحوه ﴿لَيُؤْمِنُنَّ بِها﴾ .
روي أنّ قريشا قالوا : يا محمّد ، إنّك تخبرنا أنّ موسى كانت معه عصا ، فيضرب بها الحجر فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا ، وتخبرنا أنّ عيسى كان يحيي الموتى ، وأنّ صالحا أخرج النّاقة من الجبل ، فأتنا أنت أيضا بآية بيّنة ، فإن فعلت ذلك لنصدقنّك ونؤمن لك ، وحلفوا على ذلك وبالغوا في تأكيد الحلف ، فقال صلىاللهعليهوآله : « أيّ شيء تحبّون ؟ » . قالوا : تجعل لنا الصّفا ذهبا ، أو ابعث لنا بعض موتانا حتّى نسأله عنك أحقّ ما تقول أم باطل ، أو أرنا الملائكة يشهدون لك. فقال صلىاللهعليهوآله : « فإن فعلت بعض ما تقولون تصدّقونني ؟ » ، قالوا : نعم ، والله لئن فعلت لنتّبعنّك أجمعين ، وسأل المسلمون رسول الله صلىاللهعليهوآله أن ينزلها عليهم حتّى يؤمنوا ، فهمّ عليهالسلام بالدّعاء فجاء جبرئيل عليهالسلام فقال : إن شئت كان ذلك ، ولئن كان فلم يصدّقوك عنده ليعذّبنّهم بعذاب الاستئصال ، ولئن شئت تركتهم حتّى يتوب تائبهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤) .
__________________
(١ و٢) . تفسير الرازي ١٣ : ١٤١.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ٨٤.
(٤) تفسير روح البيان ٣ : ٨٥.