تكذيب النبيّ صلىاللهعليهوآله في ادّعاء نزول الوحي إليه ، وكان مجال فتور النبيّ صلىاللهعليهوآله في التّبليغ وتكدّر خاطره الشّريف ، أمره سبحانه بالقيام بوظيفة الرّسالة ، وعدم الاعتناء بترّهات المشكرين بقوله : ﴿اتَّبِعْ﴾ يا محمّد ﴿ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ من القرآن ، ودم على ما أنت عليه من تبليغه والتّديّن بأحكامه التي عمدتها وجوب التّوحيد ، والإيمان بأنّه ﴿لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ تعالى ، وحده لا شريك له ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ﴾ أباطيل ﴿الْمُشْرِكِينَ﴾ ولا تعتن بها ، ولا يكن قدحهم في القرآن سبب فتورك في تبليغ رسالتك ، ولا يثقلن عليك إصرارهم على ضلالهم ، فإنّه بإرادة الله حيث خلّى بينهم وبين أنفسهم والشّيطان المغوي لهم ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ﴾ بالمشيئة التّكوينيّة إيمانهم بالتّوحيد ، وتركهم الشّرك ﴿ما أَشْرَكُوا﴾ أبدا ، ولكن تركهم واختيارهم حتّى يظهر خبث طينتهم وسوء سريرتهم.
وعن ( المجمع ) ، في تفسير أهل البيت عليهمالسلام : « ولو شاء الله أن يجعلهم كلّهم مؤمنين معصومين حتّى لا يعصيه أحد ما كان يحتاج إلى جنّة ونار ، ولكنّه أمرهم ونهاهم وامتحنهم وأعطاهم ماله عليهم به الحجّة من الآلة والاستطاعة ، ليستحقّوا الثّواب والعقاب » (١) .
وإنّما بعثناك إليهم نذيرا ﴿وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ حتّى يجب عليك إجبارهم بالإيمان بالتّوحيد والنبوّة ، وقهرهم على ترك الشّريك ﴿وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ﴾ من قبل ربّك ﴿بِوَكِيلٍ﴾ وقيّم حتّى يجب عليك تدبير امورهم ، والنّظر في مصالحهم.
قيل : الحافظ للشيء من يصونه عمّا يضرّه ، والوكيل عليه من يجلب الخير له (٢) .
﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا
لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨)﴾
ثمّ قيل : إنّه لمّا طعن المشركون في القرآن بقولهم للرّسول صلىاللهعليهوآله : إنّما درست على علماء أهل الكتاب ، غضب المؤمنون وشتموا الأصنام ، فنهى الله عن ذلك (٣) بقوله : ﴿وَلا تَسُبُّوا﴾ ولا تشتموا أيّها المؤمنون آلهتهم ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ ويعبدون ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وممّا سواه ﴿فَيَسُبُّوا اللهَ﴾ بسبب سبّكم آلهتهم ﴿عَدْواً﴾ وغضبا ، أو تجاوزا عن الحقّ إلى الباطل ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ وعن سفة وجهالة ، حيث إنّهم ما قدروا الله حقّ قدره.
عن ابن عبّاس رضى الله عنه أنّه قال : لمّا نزل ﴿إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾(٤) قال
__________________
(١) مجمع البيان ٤ : ٥٣٦ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤٧.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ٨٢.
(٣) تفسير الرازي ١٣ : ١٣٩.
(٤) الأنبياء : ٢١ / ٩٨.