واختلف المعنى » .
قال : « وأمّا الخبير فالذي لا يعزب عنه شيء ولا يفوته ، ليس للتّجربة ولا للاعتبار بالأشياء فتفيده التّجربة والاعتبار علما ، ولولاهما ما علم ؛ لأنّ من كان كذلك كان جاهلا ، والله لم يزل خبيرا بما يخلق ، والخبير من النّاس المستخبر عن جهل المتعلّم ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى » (١) .
﴿قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا
عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إثبات التّوحيد والرّسالة ، نبّه النّاس عن لسان رسوله صلىاللهعليهوآله على تماميّة الحجّة عليهم بقوله : ﴿قَدْ جاءَكُمْ﴾ أيّها النّاس آيات فيها ﴿بَصائِرُ﴾ وعلوم ، أو براهين ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ تبصّركم الحقّ وتعرّفكم الصّواب ، وتمّ ما عليّ من تبليغها ، وبقي ما عليكم من التّبصّر والإيمان بها ﴿فَمَنْ أَبْصَرَ﴾ بها الحقّ وآمن به ﴿فَلِنَفْسِهِ﴾ أبصر ، وإيّاها نفع ﴿وَمَنْ عَمِيَ﴾ عن رؤية الحقّ وكفر به ﴿فَعَلَيْها﴾ ضرّ ﴿وَما أَنَا﴾ من قبل ربّي ﴿عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ حتّى اجبركم على قبول الحقّ والإيمان به ، بل إنّما أنا نذير ، والله مجازيكم بما تستحقّون.
﴿وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥)﴾
ثمّ لمّا ادّعى النّبوّة استدلّ سبحانه عليها بقوله : ﴿وَكَذلِكَ﴾ التّصريف البديع ، وبيان الحجج الواضحة بعبارات مختلفة بالغة أعلى درجة الإعجاز ﴿نُصَرِّفُ الْآياتِ﴾ الدالّة على جميع المعارف والمواعظ والأحكام ، ونأتي بها حالا بعد حال ، لتتمّ الحجّة على المعاندين ﴿وَلِيَقُولُوا﴾ في عاقبة الأمر ، أو لئلّا يقولوا : ﴿دَرَسْتَ﴾ وقرأت يا محمّد هذه العلوم على غيرك وتقرأها علينا ، وتدّعي الوحي بها إليك ﴿وَلِنُبَيِّنَهُ﴾ ونوضّحه ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ويفهمون ، أو يكونوا بتبيينه عالمين بما فيه من المعارف والعلوم. وإنّما كنّى عن الآيات بالضّمير المفرد المذكّر باعتبار القرآن.
﴿اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * وَلَوْ شاءَ
اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٦) و (١٠٧)﴾
ثمّ لمّا أشار سبحانه إلى قدح المشركين في القرآن بأنّه مطالب مأخوذة من أهل الكتاب ، وإلى
__________________
(١) الكافي ١ : ٩٥ / ٢ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤٥.