في السّؤال منه والتّوكّل عليه ، نفى سبحانه إمكان رؤية ذاته المقدّسة بحسّ البصر بقوله : ﴿لا تُدْرِكُهُ﴾ ولا تصل إليه تعالى ﴿الْأَبْصارُ﴾ الظّاهريّة.
ثمّ أثبت علمه وإحاطته بقوله : ﴿وَهُوَ﴾ تعالى ﴿يُدْرِكُ﴾ ويرى ﴿الْأَبْصارُ﴾ الرّافعة إليه للطّلب ، والأعين المادّة إليه للسّؤال.
ثمّ وصف نفسه بما هو علّة للقضيّتين بقوله : ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ﴾ والغامض الذي لا تدركه العقول ، والعميق الذي لا تناله الاوهام وقيل : هو اللّطيف في صنعه والوهيّته ، أو بعباده (١)﴿الْخَبِيرُ﴾ المطّلع على دقائق الأشياء وخفيّات الأمور ، لا يعزب عنه شيء.
عن الرضا عليهالسلام ، في رواية قال : ﴿لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ﴾ وهذه الأبصار ليست هذه (٢) الأعين ، إنّما هي الأبصار التي في القلوب ، لا تقع عليه الأوهام ، ولا يدرك كيف هو » (٣) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام ، في رواية : « وأمّا قوله : ﴿لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ﴾ فهو كما قال : ﴿لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ﴾ [ يعني لا تحيط به الأوهام ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ﴾ يعني ] يحيط بها » (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام ، في هذه الآية : « يعني إحاطة الوهم ، ألا ترى إلى قوله : ﴿قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ﴾(٥) ، ليس يعني بصر العين - إلى أن قال : - إنّما عنى إحاطة الوهم ، كما يقال : فلان بصير بالشّعر ، وفلان بصير بالفقه ، وفلان بصير بالدّراهم ، وفلان بصير بالثّياب ، الله أعظم من أن يرى بالعين » (٦) .
وعن الباقر عليهالسلام ، في هذه الآية : « أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السّند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولم تدركها ببصرك ، وأوهام القلوب لا تدركه ، فكيف أبصار العيون ؟ ! » (٧) .
وعن الرضا عليهالسلام : « وأمّا اللّطيف فليس على قلّة وقضافة (٨) وصغر ، ولكن ذلك على النّفاذ في الأشياء ، والامتناع من أن يدرك [ كقولك للرجل ] : لطف عنّي هذا الأمر ، ولطف فلان في مذهبه وقوله ، يخبرك أنّه غمض فيه العقل ، وفات الطّلب ، وعاد متعمّقا متلطّفا لا يدركه الوهم ، فكذلك لطف الله تبارك وتعالى عن أن يدرك بحدّ ، أو يحدّ بوصف ، واللّطافة منّا الصّغر والقلّة ، فقد جمعنا الاسم
__________________
(١) تفسير الرازي ١٣ : ١٣٣.
(٢) في العياشي والمجمع : هي.
(٣) تفسير العياشي ٢ : ١١٤ / ١٤٧٤ ، مجمع البيان ٤ : ٥٣٣.
(٤) التوحيد : ٢٦٢ / ٥ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤٥. وفي النسخة : لا تدركه الأبصار ، ولا تحيط بها.
(٥) الأنعام : ٦ / ١٠٤.
(٦) الكافي ١ : ٧٦ / ٩ ، التوحيد : ١١٢ / ١٠ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤٥.
(٧) الكافي ١ : ٧٧ / ١١ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤٥.
(٨) القضافة : من قضف يقضف ، إذا دقّ ونحف لا عن هزال.