﴿تَقْدِيرُ﴾ المدبّر ﴿الْعَزِيزِ﴾ المقتدر الذي قهرهما بإرادته ﴿الْعَلِيمِ﴾ بتدبيرهما وتنظيم امور خلقه.
﴿وَهُوَ﴾ القادر ﴿الَّذِي جَعَلَ﴾ وأنشأ بقدرته ﴿لَكُمُ﴾ ولأجل انتفاعكم ﴿النُّجُومَ﴾ المختلفة في المواضع المتفرّقة من الشّمال والجنوب والمشرق والمغرب ﴿لِتَهْتَدُوا﴾ وتعرفوا ﴿بِها﴾ الطّرق إلى البلاد ﴿فِي ظُلُماتِ﴾ اللّيالي في ﴿الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ والمفاوز واللّجج. وفي تخصيص هذه المنفعة بالذّكر بعد ذكر منافعها إجمالا إشعار بعظمة نعمة الاهتداء.
وعن القمّي رحمهالله : « النّجوم آل محمّد » (١) .
ثمّ منّ سبحانه على النّاس بتعليمهم دلائل توحيده بقوله : ﴿قَدْ فَصَّلْنَا﴾ وشرحنا ﴿الْآياتِ﴾ والحجج البيّنات على التّوحيد ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ويتدبّرون الآيات ، ويستدلّون بالمحسوسات على المعقولات ، وينتقلون من المشهودات إلى المغيّبات ، فإنّهم المنتفعون بها.
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ
يَفْقَهُونَ (٩٨)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه على توحيده وكمال قدرته وحكمته بخلق الإنسان واختلاف حالاته بقوله : ﴿وَهُوَ﴾ الله ﴿الَّذِي أَنْشَأَكُمْ﴾ وأوجدكم مع كثرتكم ﴿مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ هي أبوكم آدم ، فإنّ حوّاء خلقت من ضلعه ، وعيسى وإن كان خلق من نفخ روح القدس إلّا أنّه من قبل امّه مريم ينتهي إليه وجوده ، فالكلّ منتهون إلى أب واحد ، وذلك مع دلالته على كمال القدرة منّة عظيمة ، لكونه سببا للالفة.
ثمّ ذكر سبحانه اختلاف حالاتهم بقوله : ﴿فَمُسْتَقَرٌّ﴾ وثبات مستمرّ لكم في الأصلاب ، أو في الأرحام ، أو فوق الأرض ﴿وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ وثبات غير مستمرّ في الأصلاب ، أو في الرّحم ، أو في القبور. وإنّما عبّر عنه بالاستيداع تشبيها له بالوديعة عند الودعيّ في سرعة الزّوال ، أو في كون الثّبوت في الرّحم ، أو في القبور من قبل الأب ، أو من سائر النّاس.
وقيل : إنّ المراد من المستقرّ والمستودع مكان الاستقرار والاستيداع (٢) .
عن الباقر عليهالسلام أنّه قال لأبي بصير حين سأله عن هذه الآية : « ما يقول أهل بلدك الذي أنت فيه ؟ » ، قال : [ قلت : ] يقولون مستقرّ في الرّحم ، ومستودع في الصّلب ، فقال : « كذبوا ، المستقرّ من استقرّ الإيمان في قلبه فلا ينزع منه أبدا ، والمستودع الذي يستودع الإيمان زمانا ثمّ يسلبه ، وقد كان الزّبير
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٢١١ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤٢.
(٢) تفسير الرازي ١٣ : ١٠٣.