السّور المباركة بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِ﴾ كالحنطة والشّعير وغيرهما وخالقه ﴿وَ﴾ فالق ﴿النَّوى﴾ التي تكون في جوف الثّمرات كالتّمر والمشمش وأمثالهما ، وخالقها ، كما عن ابن عبّاس رضى الله عنه (١) . أو شاقّهما بالنباتات والأشجار ، كما عن أكثر المفسّرين (٢) . فإنّ الحبّة والنّواة إذا وقعتا في الأرض الرّطبة ، ومرّت بهما مدّة ، يشقّهما (٣) الله تعالى شقّتين : إحداهما في أعلاهما ، والاخرى في أسفلهما.
ثمّ ﴿يُخْرِجُ﴾ النّبات أو الشّجر ﴿الْحَيَ﴾ بالرّوح النّباتي ، والقوّة النّامية من الشّقّ الأعلى ﴿مِنَ﴾ الحبّ والنّوى ﴿الْمَيِّتِ﴾ لعدم تلك الرّوح فيهما ، والعرق الحيّ بالرّوح النّباتي من الشّقّ الأسفل منهما ، ﴿وَ﴾ هو تعالى ﴿مُخْرِجُ﴾ الحبّ أو النّوى ﴿الْمَيِّتِ مِنَ﴾ النّبات أو الشّجر ﴿الْحَيَ﴾ .
وفي ( الكافي ) : عن الصادق عليهالسلام ، في حديث الطّينة : « تأويل الحبّ بطينة المؤمنين [ التي ] ألقى الله تعالى عليها محبّته ، وتأويل النّوى بطينة الكافرين الذين نأوا عن كلّ خير » قال : « وإنّما سمّي النّوى من أجل أنه نأى عن كلّ خير وتباعد منه » (٤) .
وعن القمّي رحمهالله قال : « الحبّ ما أحبّه ، والنّوى ما نأى عن الحقّ » .
وقال أيضا : « فالق الحبّ أي يفلق العلم من الأئمّة ، والنّوى ما بعد عنه » (٥) .
وعن الصادق عليهالسلام ، في حديث الطّينة (٦) : فقال الله : ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ﴾ فالحيّ : المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر ، والميّت الذي يخرج من الحيّ هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن » (٧) .
وعن ابن عبّاس رضى الله عنه ، قال : يخرج المؤمن من الكافر ، ومخرج الكافر من المؤمن (٨) .
وعنه رضى الله عنه ، في رواية اخرى : أنّ المراد من إخراج الحيّ من الميّت إخراج الحيوان من النّطفة أو البيضة ، ومن إخراج الميّت من الحيّ إخراج النّطفة أو البيضة من الحيوان (٩) .
قيل : لمّا كان الاعتناء بإخراج الحيّ من الميّت أكثر من إخراج الميّت من الحيّ ، أتى سبحانه في بيان الأوّل بالجملة الفعليّة للدّلالة على اعتناء الفاعل بفعله (١٠) ، وفي بيان الثّاني بالجملة الاسميّة غير الدّالّة عليه (١١) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١٣ : ٨٩.
(٢) مجمع البيان ٤ : ٥٢٣ ، عن الحسن وقتادة والسدّي.
(٣) في النسخة : يشق.
(٤) الكافي ٢ : ٤ / ٧ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤١.
(٥) تفسير القمي ١ : ٢١١ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤١.
(٦) في النسخة : الغيبة.
(٧) الكافي ٢ : ٤ / ٧ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤١.
(٨) تفسير الرازي ١٣ : ٩٢ ، تفسير روح البيان ٣ : ٧٠.
(٩) تفسير الرازي ١٣ : ٩٢.
(١٠) تفسير الرازي ١٣ : ٩٣.
(١١) تفسير الرازي ١٣ : ٩٣.