ترهيبا لهم بقوله : ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونا﴾ من الدّنيا ﴿فُرادى﴾ ومنقطعين عن الأموال والأولاد والعشيرة ﴿كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ وعلى الهيئة التي ولدتم عليها في الدّنيا.
عن النبي صلىاللهعليهوآله : « أنّهم يحشرون عراة حفاة غرلا » (١) ، قالت عائشة : وا سوأتاه ! الرّجل والمرأة كذلك ، فقال عليهالسلام ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾(٢) .
وعنه صلىاللهعليهوآله أنّه قرأ على فاطمة بنت أسد هذه الآية ، فقالت : وما فرادى ؟ فقال : « عراة » ، قالت : وا سوأتاه ، فسأل الله أن لا يبدي عورتها ، وأن يحشرها بأكفانها (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام : « تنوّقوا في الأكفان ، فإنّكم تبعثون بها » (٤) .
ثمّ وبّخهم على عدم تقديم شيء منها إلى الآخرة بصرفه في سبيل الله بقوله : ﴿وَتَرَكْتُمْ﴾ وخلّفتم ﴿ما خَوَّلْناكُمْ﴾ وتفضّلنا عليكم بما كنتم تفتخرون به ، وتؤثرونه على الآخرة من الحطام ﴿وَراءَ ظُهُورِكُمْ﴾ وفي الدّنيا التي انتقلتم منها إلى هذه الدّار ، وما قدّمتم منه إليها شيئا ، وما حملتم معكم منه نقيرا ، وحرمتم أنفسكم من الانتفاع به.
ثمّ وبّخهم على عبادة الأوثان بزعم أنّهم شفعاؤهم بقوله : ﴿وَما نَرى مَعَكُمْ﴾ اليوم ﴿شُفَعاءَكُمُ﴾ من الأصنام ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ مضافا إلى الرّجاء بشفاعتهم ﴿أَنَّهُمْ فِيكُمْ﴾ وفي خلقكم وعبادتكم ﴿شُرَكاءُ﴾ لله ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ﴾ الوصل الذي كان ﴿بَيْنَكُمْ﴾ وبينهم ، وانفصم حبل مودّتكم ، وتشتّت جمعكم ، ﴿وَضَلَ﴾ وضاع ﴿عَنْكُمْ﴾ اليوم ﴿ما كُنْتُمْ﴾ في الدّنيا ﴿تَزْعُمُونَ﴾ وتتوهّمون من شفاعتهم ونفعهم.
عن الصادق عليهالسلام : « نزلت هذه الآية في معاوية وبني اميّة وشركائهم وأئمّتهم (٥)﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ يعني المودّة » .
﴿إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ
ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان التّوحيد وجملة من دلائله ، وإثبات النّبوّة وصدق القرآن تبعا واستطرادا ، عاد إلى إقامة البرهان على وجود الصّانع القادر الحكيم ، ووحدانيّته تنبيها على أنّه المقصود الأهمّ في
__________________
(١) غرلا : جمع أغرل ، وهو الذي لم يختن.
(٢) مجمع البيان ٤ : ٥٢١ ، تفسير روح البيان ٣ : ٦٩ ، والآية من سورة عبس : ٨٠ / ٣٧.
(٣) الخرائج والجرائح ١ : ٩١ / ١٥٠ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤٠.
(٤) الكافي ٣ : ١٤٩ / ٦ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤٠.
(٥) تفسير القمي ١ : ٢١١ ، تفسير الصافي ٢ : ١٤١.