والمعارف ، مع اميّة من جاء به ، أو أنّه نازل حسب ما وصف في الكتب ، وكان إنزاله ليتبرّك النّاس به ﴿وَلِتُنْذِرَ﴾ به يا محمّد من يسكن ﴿أُمَّ الْقُرى وَمَنْ﴾ يكون ﴿حَوْلَها﴾ وأطرافها من أهل الشّرق والغرب.
عن ابن عبّاس رضى الله عنه : سمّيت مكّة بامّ القرى ؛ لأنّ الأرض دحيت من تحتها (١) .
وقيل : لأنّها قبلة أهل الدّنيا (٢) ومحجّهم ، فصارت كالأصل ، وسائر البلاد والقرى تابعة لها ، ويجتمع الخلق إليها كما يجتمع الأولاد إلى الامّ ، أو لأنّ الكعبة أوّل بيت وضع للنّاس ، أو لأنّ بكّة أوّل بلدة سكنت.
قيل : احتجّت طائفة من اليهود بقوله : ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها﴾ على أنّه صلىاللهعليهوآله كان رسولا إلى العرب (٣) . وفيه ما لا يخفى من الوهن.
ثمّ نبّه سبحانه بأنّ عدم الإيمان بالقرآن لا يكون إلّا للعناد ، بقوله : ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ ويخافون عذاب الله ، وطهرت قلوبهم من حبّ الدّنيا ودنس العصبيّة والعناد ، ككثير من الأحبار والرّهبان ، بمجرّد سماع القرآن ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ بلا حاجة إلى دلالة أمر خارج على صدقه ؛ لأنّ خوف الآخرة يحملهم على النّظر والتّدبّر فيه ، فيظهر لهم ما يصدّقه من كونه بجهة الفصاحة والبلاغة في أعلى درجة الإعجاز ، وكونه مشتملا على الأخبار الغيبيّة ، وكونه موافقا للكتب السّماويّة في العلوم والمعارف ، مع كون من جاء به امّيّا ، إلى غير ذلك من شواهد صدقه.
ثمّ بين سبحانه أنّ خوف الآخرة كما يحمل على الإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوآله وكتابه ، يحمل على العبادات التي أهمّها وأفضلها الصّلوات الخمس ، بقوله : ﴿وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ﴾ الخمس بعد الإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوآله وكتابه ﴿يُحافِظُونَ﴾ ويداومون.
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ
وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ
وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما
كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣)﴾
ثمّ لمّا كان العلم بقباحة أمر من أقوى الرّوادع عن ارتكابه ، أكّد صدق القرآن بأنّ الافتراء على الله في دعوى الرّسالة ونسبة القرآن إليه ، من أشنع الظّلم ، بقوله : ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ على نفسه وأقبح قولا
__________________
( ١ و٢ و٣ ) . تفسير الرازي ١٣ : ٨١.