نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله وصدق كتابه.
ثمّ أنتم أيّها اليهود مع عظم شأن هذا الكتاب ﴿تَجْعَلُونَهُ﴾ في ﴿قَراطِيسَ﴾ وتكتبونه في أوراق متفرّقة ، لكي تستدلّوا بالأوراق التي ﴿تُبْدُونَها﴾ وتظهرون للعوام ما تريدون إظهاره منها ﴿وَتُخْفُونَ﴾ منهم ﴿كَثِيراً﴾ من تلك الأوراق ممّا فيه [ من ] نعوت محمّد وكتابه ، وصفات أصحابه ، وبعض الأحكام الذي تحبّون إخفاءه (١) كحكم رجم المحصن وحكم القصاص ، وغيرهما ﴿وَعُلِّمْتُمْ﴾ بسبب تفسير محمّد صلىاللهعليهوآله آيات ذلك الكتاب ، من العلوم ﴿ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ﴾ من قبل.
قيل : إنّ اليهود كانوا يقرأون الآيات المبشّرة بمقدم النبيّ صلىاللهعليهوآله وبعثته ، وما كانوا يفهمون المراد منها ، فلمّا بعث صلىاللهعليهوآله فسّرها لهم (٢) .
ثمّ أمر الله سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله بالمبادرة إلى الجواب عن السّؤال عن منزل كتاب التّوراة بقوله : ﴿قُلْ﴾ أنزله ﴿اللهَ﴾ تنبيها على غاية وضوحه بحيث لا شبهة لأحد فيه ، وتعيّنه بحيث لا يمكن غيره ، أو على بهتهم بحيث لا يقدرون عليه.
ثمّ هدّدهم سبحانه بعد إصرارهم على الكفر وعدم ارتداعهم عنه بالحجج القاهرة بقوله : ﴿ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ ودعهم ﴿فِي خَوْضِهِمْ﴾ وباطلهم - عن القمّي : [ يعني ] في ما خاضوا فيه من التّكذيب (٣) - ﴿يَلْعَبُونَ﴾ فإنّه ليس عليك إلّا التّبليغ ، وإقامة الحجج ، وإنّما علينا حسابهم وعقابهم.
﴿وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ
حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان فساد قولهم : ﴿ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ أعلن بنزول القرآن من عنده تعالى بقوله : ﴿وَهذا﴾ القرآن ﴿كِتابٌ﴾ عظيم الشّأن ، فيه دلائل على أنّا ﴿أَنْزَلْناهُ﴾ بالوحي وبوساطة جبرئيل ، وتولّينا تركيب ألفاظه وعباراته ، بلا دخل بشر فيه ، منها أنّه ﴿مُبارَكٌ﴾ كثير خيره ، دائم نفعه.
وقد مرّ في بعض الطّرائف أنّه ما من علم إلّا وأصله فيه ، وأنّ لتلاوته آثارا دنيويّة واخرويّة (٤) .
قيل : إنّه مبارك على العوام بأن يدعوهم إلى ربّهم ، وعلى الخواصّ بأن يهديهم إليه ، وعلى خواصّ الخواصّ بأن يوصلهم إليه ، ويخلّقهم بأخلاقه (٥) .
ومنها أنّه ﴿مُصَدِّقُ﴾ وموافق للكتاب ﴿الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ من التّوراة والإنجيل في العلوم
__________________
(١) كذا ، والظاهر : التي تحبّون إخفاءها.
(٢) تفسير الرازي ١٣ : ٧٩.
(٣) تفسير القمي ١ : ٢١٠ ، تفسير الصافي ٢ : ١٣٨.
(٤) راجع : الطرفة (٢٧) و(٣٠) من المقدمة.
(٥) تفسير روح البيان ٣ : ٦٤.