وعن الصادق عليهالسلام : « قوما يقيمون الصّلاة ، ويؤتون الزّكاة ، ويذكرون الله كثيرا » (١) .
﴿أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ
ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تحسين طريقة الأنبياء المذكورين بقوله : ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى﴾ هم ﴿اللهُ﴾ إلى كلّ حقّ وخير ، ووفّقهم لسلوك الطّريق المستقيم ﴿فَبِهُداهُمُ﴾ وطريقتهم في المعارف والأخلاق الحسنة ﴿اقْتَدِهْ﴾ واتّبع.
في أفضلية خاتم النبيين صلىاللهعليهوآله على جميع الأنبياء
قيل : فيه دلالة على أفضليّته صلىاللهعليهوآله من جميع الأنبياء ؛ لأنّ خصال الكمال وصفات الشّرف كانت متفرّقة فيهم ، فداود وسليمان كانا من أصحاب الشّكر على النّعمة ، وأيّوب كان من أهل الصّبر على البليّة ، ويوسف كان جامعا بينهما ، وموسى كان صاحب المعجزات القاهرة والتّواضع والوقار ، وزكريّا كان كثير الذّكر ، ويحيى كان كثير الخوف والبكاء ، وعيسى كان كثير الزّهد ، وإسماعيل كان صاحب الصّدق. وبالجملة قد غلب على كلّ منهم خصلة معيّنة ، فجمع الله في حبيبه صلىاللهعليهوآله جميع خصالهم بأمره بالاقتداء بهم ، ومعلوم أنّه لم يقصّر في الامتثال (٢) .
ثمّ لمّا كان من أخلاق الأنبياء عدم الطّمع في أموال النّاس ، وترك سؤال الأجر على تبليغ الرّسالة ، أمره سبحانه بإعلام النّاس بعدم طمعه في الأجر على تبليغ المعارف والأحكام التي جميعها في القرآن بقوله : ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ ولا أطلب منكم على تبليغ القرآن جعلا ، كما لم يسأله الأنبياء من قبلي على تبليغ الكتب السّماويّة.
ثمّ نبّه على علّة عدم سؤال الأجر على تبليغ كتابه بقوله : ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى﴾ وعظة من الله ﴿لِلْعالَمِينَ﴾ والخلق أجمعين من الإنس والجنّ ، والعرب والعجم ، والأبيض والأسود ، ولا ينبغي سؤال الأجر على الموعظة والتّذكير ، لوجوب كون غرض المذكّر الآخرة ، وفيه دلالة على عموم رسالته ، وعدم اختصاصها بقوم دون قوم.
﴿وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ
الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها
__________________
(١) المحاسن : ٥٨٨ / ٨٨ ، تفسير الصافي ٢ : ١٣٧.
(٢) تفسير الرازي ١٣ : ٧٠ ، تفسير روح البيان ٣ : ٦٢.