قيل : في قوله : ﴿وَمِنْ آبائِهِمْ﴾ دلالة على كون بعض آباء هؤلاء الأنبياء غير مؤمن (١) .
أقول : فيه منع لاحتمال كون المراد من هدايتهم : الهداية إلى كمال المعرفة واليقين لا الإيمان ، مع احتمال أن يكون المراد من بعض آبائهم : الأجداد الأبي (٢) ، ومن البعض الآخر الأجداد الأمّي (٣) ، لإمكان كونهم غير مؤمنين.
﴿ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا
يَعْمَلُونَ (٨٨)﴾
ثمّ عظّم الله شأن الهداية التي هداهم بها بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ الهدى الذي كان للأنبياء المذكورين ، أو لهم ولبعض آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم ، إلى الحقّ وحقائق الأشياء ﴿هُدَى اللهِ﴾ الكامل وفيضة التامّ ﴿يَهْدِي بِهِ﴾ إلى أعلى مراتب الكمالات الإمكانيّة ودرجات القرب ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ هدايته الكاملة ﴿مِنْ عِبادِهِ﴾ الطّيّبين بالفطرة ، الطّاهرين من رذائل الأخلاق.
ثمّ بالغ سبحانه في عظمة ذنب الشّرك بقوله : ﴿وَلَوْ﴾ أنّ هؤلاء الأنبياء مع علوّ مقامهم ، وكمال قربهم ﴿أَشْرَكُوا﴾ بالله شيئا في الالوهيّة أو العبادة على فرض المحال ، والله ﴿لَحَبِطَ﴾ وذهب ﴿عَنْهُمْ﴾ وبطل ﴿ما كانُوا﴾ مدّة أعمارهم ﴿يَعْمَلُونَ﴾ من الطّاعات والحسنات ، فلا يثابون على شيء منها ، فكيف بمن دونهم لو أشرك ! وفيه غاية التّرهيب.
﴿أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا
بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في عظم شأن هؤلاء الأنبياء الثّمانية عشر بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ الأنبياء المكرّمون هم ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ﴾ وفهم حقائقه ودقائقه ﴿وَ﴾ علّمناهم ﴿الْحُكْمَ﴾ والفصل بين النّاس بالحقّ ، أو الحكمة ، ﴿وَ﴾ أعطيناهم ﴿النُّبُوَّةَ﴾ ومنصب هداية الخلق.
ثمّ بشّر سبحانه بنصرة دينه ، وأعلن بغناه عن إيمان المشركين بالنبوّة ، أو بالثّلاثة المذكورة بقوله : ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ﴾ المشركون فقد ﴿وَكَّلْنا بِها﴾ ووفّقنا لحفظها ورعاية حقّها ﴿قَوْماً﴾ آخرين ﴿لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ﴾ قيل : هم الأنبياء الثّمانية عشر (٤) ، وقيل : هم الأنصار (٥) ، وقيل : هم المهاجرون(٦) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١٣ : ٦٦.
(٢) كذا ، والظاهر : الأجداد الأبويين.
(٣) كذا ، والظاهر : الأجداد الامّيون.
( ٤ و٥ و٦ ) . تفسير الرازي ١٣ : ٦٨.