بكمال قدرته كان ﴿فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ ومبدعهما من غير مثال ، ﴿وَهُوَ﴾ بجوده وغناه ﴿يُطْعِمُ﴾ ويرزق جميع الموجودات ، ويوصل إليها ما تحتاج إليه ﴿وَلا يُطْعَمُ﴾ ولا يرزق ، ولا يحتاج إلى شيء ، ولا ينتفع بشيء ، فهو تعالى جواد بالذّات غنيّ بالذّات ، وغيره عاجز فقير محتاج. فالعدول عن ولاية القادر الغنيّ الجواد إلى ولاية العاجز الفقير المحتاج غاية الجهل ، وعين السّفه.
ثمّ بعد إقامة البرهان العقلي على عدم جواز العدول عن الله إلى غيره في الولاية والعبادة ، أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله بإعلام النّاس بوجوب ولايته والتّمحّض بعبوديّته بقوله : ﴿قُلْ﴾ للنّاس : ﴿إِنِّي أُمِرْتُ﴾ من قبل ربّي ﴿أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ وجهه ونفسه ، وخصّ ولايته وعبادته به ، وأمر غيري أن يكون تابعا في ذلك ، ونهيت عن التّوجّه إلى غيره حيث خاطبني الله بقوله : ﴿وَلا تَكُونَنَ﴾ يا محمّد ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ بي وبعبادتي وولايتي.
﴿قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)﴾
ثمّ لمّا أمر النّاس بتخصيص الله بالولاية والعبوديّة ، ونهاهم عن الشّرك بأبلغ بيان ، وكان من لوازم مخالفة أمر الله ونهيه العقوبة ، أمر بإظهار الخوف من المخالفة تخويفا للنّاس من العذاب ، وردعا لهم عن العصيان بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، لعموم النّاس وخصوص المشركين : ﴿إِنِّي﴾ مع قربي ورسالتي ﴿أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾ وخالفت نهيه في اختيار الشّرك ﴿عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أهواله وعذابه ، وهو يوم القيامة.
عن الصادق عليهالسلام : « ما ترك رسول الله صلىاللهعليهوآله قول : ﴿إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ حتّى نزلت سورة الفتح ، فلم يعد إلى ذلك الكلام » (١) .
﴿مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦)﴾
ثمّ أشار إلى آثار رحمته وولايته بقوله : ﴿مَنْ يُصْرَفْ﴾ ويدفع ﴿عَنْهُ﴾ العذاب ﴿يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ﴾ الله ، وتفضّل عليه بأن وفّقه في الدّنيا للتبرّؤ عن الشّرك والسّيّئات ، وللقيام بالأعمال الصّالحات ﴿وَذلِكَ﴾ الصّرف أو الرّحم هو ﴿الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾ والنّجاح بأعلى المقاصد.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « والذي نفسي بيده ما من النّاس أحد يدخل الجنّة بعمله » . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ، قال : « ولا أنا ، إلّا أن يتغمّدني الله برحمته » . ووضع يده فوق رأسه ، وطوّل بها صوته (٢) .
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ١٧٥ / ١٩٤٧ ، تفسير الصافي ٢ : ١١١.
(٢) تفسير الرازي ١٢ : ١٧١.