ثمّ أردف البشارة بالرّحمة بالتّهديد بالعقوبة تربية للخوف بقوله : ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ الله ويبعثنّكم من القبور ﴿إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ الذي ﴿لا رَيْبَ﴾ لعاقل ﴿فِيهِ﴾ .
وقيل : إنّ من شؤون رحمته بالعباد جمع النّاس في يوم القيامة ، وجعل دار الجزاء والوعيد بها ، وإلّا لحصل الهرج والمرج ، ولارتفع الضّبط وكثر الخبط (١) ، واختلّ النّظام.
ثمّ نبّه الله سبحانه على أنّ ترك الإيمان بالتّوحيد مع سعة رحمته تعالى ، والوعيد بالعقاب على الشّرك غاية الخسران بقوله : ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا﴾ وغبنوا ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ وأضرّوا عليها بتضييع رأس المال من الفطرة الأصليّة والعقل السّليم ، باتّباع الهوى والانهماك في الشّهوات ﴿فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ بوحدانيّة الله ، بل يصرّون على الشّرك والعصيان ، ولذا يخرجون عن قابليّة شمول الرّحمة الواسعة ، ويستحقّون العذاب الدّائم.
﴿وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) قُلْ أَ غَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا
فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ
مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر كونه مالك المكان والمكانيّات من السّماوات والأرض وما فيهما ، ذكر أنّه مالك الزّمان والزّمانيّات بقوله : ﴿وَلَهُ ما سَكَنَ﴾ واستقرّ ﴿فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ﴾ واشتملا عليه من الموجودات ، أو ما سكن وتحرّك فيهما.
روي أنّ كفّار مكّة أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا : يا محمّد ، قد علمنا أنّه ما يحملك على ما تدعونا إليه إلّا الفقر والحاجة ، فنحن نجمع لك من القبائل أموالا تكون أغنانا رجلا ، وترجع عمّا أنت عليه من الدّعوة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢) .
ثمّ أنّه تعالى بعد التّنبيه على كونه مالك جميع الموجودات ، نبّه على إحاطته بها علما بقوله : ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لكلّ المسموعات ﴿الْعَلِيمُ﴾ بجميع المعلومات ، فيسمع نداء المضطرّين ، ويعلم حاجات المحتاجين.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان سعة ملكه ورحمته ، وكمال غناه وإحاطته ، أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بأن يعلن بتخصيصه بولايته ، وإعراضه عن ولاية غيره بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، للمشركين إنكارا على نفسك : ﴿أَغَيْرَ اللهِ﴾ من مخلوقاته ﴿أَتَّخِذُ﴾ وأختار لنفسي ﴿وَلِيًّا﴾ وكافلا ومعبودا ؟ ! حاشاي من ذلك ، مع أنّه تعالى
__________________
(١) تفسير الرازي ١٢ : ١٦٦.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ١٥.