﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١)﴾
ثمّ لمّا ذكر الله في تسلية النبيّ صلىاللهعليهوآله استهزاء قومه به ، أمره بتهديدهم وإنذارهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، للمشركين المكذّبين بك : ﴿سِيرُوا﴾ وسافروا ﴿فِي﴾ أقطار ﴿الْأَرْضِ﴾ لتعرفوا أحوال الأمم الماضية ﴿ثُمَّ انْظُرُوا﴾ بأبصاركم ، وتفكّروا بقلوبكم في أنّه ﴿كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ بالرّسل وإلى ما صار مآل إعراضهم عن الآيات الإلهيّة ، فاعتبروا ممّا نزل بهم من عذاب الاستئصال ، ولا تغترّوا بما أنتم فيه من الصحّة والقوّة والنّشاط والسّعة.
﴿قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ
إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢)﴾
ثمّ أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بعد تهديد المشركين ونصحهم بإلزامهم بالتّوحيد بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، للمشركين واسألهم عن أنّه : ﴿لِمَنْ﴾ يكون ﴿ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ من الموجودات خلقا وملكا وتصرّفا ؟
فلمّا كان الجواب من أبده البديهيّات عند العقلاء بحيث لا ينبغي الخلاف فيه ، أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بالمبادرة إليه بقوله : ﴿قُلْ﴾ كلّها ﴿لِلَّهِ﴾ وحده لا شريك له ، إيماء إلى أنّ هذا السّؤال ليس من حقّه الانتظار في الجواب ، بل حقّه أن يبادر إلى جوابه بالاعتراف بأنّ الكلّ لله ؛ لظهور آثار الحدوث والإمكان في الأجسام ، واحتياج الحادث إلى الصّانع الواجب من أبده البديهيّات.
ثمّ بشّر برحمته على عباده مع كمال عظمته وقدرته تربية للرّجاء في القلوب بقوله : ﴿كَتَبَ﴾ وحتم ﴿عَلى نَفْسِهِ﴾ وذاته المقدّسة ﴿الرَّحْمَةَ﴾ والعطوفة على العباد ، ولذا لا يعجل على من أشرك به وعصاه بالعقوبة ، ويقبل منهم التّوبة.
وقيل : إنّ المراد بالرّحمة : الهداية إلى معرفته بنصب الدّلائل على توحيده (١) وكمال صفاته.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « لمّا فرغ الله من الخلق كتب كتابا : إنّ رحمتي سبقت غضبي » (٢) .
أقول : الظّاهر من سبق الرّحمة هو الغلبة والكثرة ، لا السّبق الزّماني.
وعن سلمان الفارسي رضى الله عنه : أنّه تعالى لمّا خلق السّماء والأرض خلق مائة رحمة ، كلّ رحمة ملء ما بين السّماء والأرض ، فعنده تسع وتسعون رحمة وواحدة بين الخلائق فيها يتعاطفون ويتراحمون ، فإذا كان آخر الأمر قصرها على المتّقين (٣) .
__________________
(١) جوامع الجامع : ١٢٣.
(٢) تفسير الرازي ١٢ : ١٦٥.
(٣) تفسير الرازي ١٢ : ١٦٥.