لربّ العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشرا مثلنا ، ولو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيّا لكان يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ، ما أنت يا محمّد إلّا [ رجلا ] مسحورا ولست بنبيّ. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : اللهمّ أنت السّامع لكلّ صوت ، والعالم بكلّ شيء ، تعلم ما قاله عبادك ، فأنزل [ الله ] عليه : ﴿وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ إلى قوله : ﴿ما يَلْبِسُونَ﴾ .
ثمّ قال رسول الله : وأمّا قولك : ولو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده ، بل لو أراد [ الله ] أن يبعث إلينا نبيّا ، لكان إنّما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ، فالملك لم تشاهده حواسّك لأنّه من جنس هذا الهواء ، لا عيان منه ، ولو شاهدتّموه بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم : ليس هذا ملكا ، بل هذا بشر ؛ لأنّه إنّما يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه ، لتفهموا عنه مقاله ، وتعرفوا خطابه ومراده ، وكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حقّ ، بل إنّما بعث الله بشرا ، وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طباع البشر الّذين قد علمتم ضمائر قلوبهم ، فتعلمون بعجزكم عمّا جاء به أنّه معجز ، وأنّ ذلك شهادة من الله بالصّدق له ، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر ، لم يكن في ذلك ما يدلّكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتّى يصير ذلك معجزا ، ألا ترون الطّيور التي تطير ، ليس ذلك منها بمعجز ؛ لأنّ لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها ، ولو أنّ آدميّا طار كطيرانها كان ذلك معجزا ، فالله عزوجل سهّل عليكم الأمر وجعله مثلكم بحيث تقوم عليكم حجّته ، وأنتم تقترحون عمل الصّعب الذي لا حجّة فيه » (١) الحديث.
﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠)﴾
ثمّ لمّا حكى الله تعالى إعراض المشركين عن المعجزات ، واستهزاءهم بها ، وإصرارهم على الكفّر ، وعدم تأثّر قلوبهم بالنّصح ، وكانت كلّها سببا لحزن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، سلّى قلب حبيبه بقوله : ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ﴾ كثيرة ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾ وفي الأزمنة السّابقة على بعثتك ، وهم صبروا على استهزائهم ﴿فَحاقَ﴾ وأحاط ، أو حلّ ﴿بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ﴾ عقيب استهزائهم وسخريتهم ﴿ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ من الدّين ، أو العذاب الذي كان النبيّ يخبرهم به وهم يستهزءون به. وفيه وعد النبيّ بإهلاك المستهزئين به ، فأنجز الله وعده يوم بدر.
__________________
(١) الاحتجاج : ٢٩ ، تفسير الصافي ٢ : ١٠٩.