لِلنَّاسِ﴾(١) المؤمنين بك : ﴿اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ﴾ ومعبودين لأنفسكم ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وفي قباله ، فعمل القائلون بالأقانيم بقولك ، وادّعوا أنّ الله ثالث ثلاثة ؟ ﴿قالَ﴾ عيسى خضوعا وتواضعا: ﴿سُبْحانَكَ﴾ وانزّهك من أن يكون لك شريك في شيء تنزيها ﴿ما يَكُونُ﴾ وما ينبغي ﴿لِي﴾ مع معرفتي وتمحّضي في عبوديّتك والانقياد لأوامرك ﴿أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ﴾ وأن أدّعي لنفسي غير العبوديّة.
ثمّ فوّض الصّدق والكذب إلى علمه المحيط بكلّ شيء حفظا للأدب بقوله : ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ﴾ وتفوّهت به ﴿فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ حيث إنّك بإحاطتك بي ﴿تَعْلَمُ ما﴾ اخفي ﴿فِي نَفْسِي﴾ وضميري من المعلومات ﴿وَلا أَعْلَمُ ما﴾ خفي ﴿فِي نَفْسِكَ﴾ وغيبك من معلوماتك. وإنّما عبّر عن خفيّات علمه تعالى بما في نفسه للمشاكلة والازدواج.
ثمّ أكّد سعة علمه تعالى بقوله : ﴿إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ ممّا كان وممّا يكون.
في ذكر عدد حروف الاسم الأعظم
عن العيّاشي : عن الباقر عليهالسلام ، في تفسيرها : « أنّ الاسم الأكبر ثلاثة وسبعون حرفا ، فاحتجب الربّ تعالى بحرف ، فمن ثمّ لا يعلم أحد ما في نفسه عزوجل ، أعطى آدم اثنين وسبعين حرفا فتوارثها الأنبياء حتّى صارت إلى عيسى عليهالسلام ، فلذلك قال : ﴿تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي﴾ يعني اثنين وسبعين حرفا من الاسم الأكبر ، يقول : أنت علّمتنيها ، فأنت تعلمها ﴿وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ﴾ يقول : لأنّك احتجبت من خلقك بذلك الحرف ، فلا يعلم أحد ما في نفسك » (٢) .
﴿ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما
دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ (١١٧)﴾
ثم بالغ في تنزيه نفسه من القول الشّنيع بقوله : ﴿ما قُلْتُ لَهُمْ﴾ من قبلي ولا من قبلك قولا ﴿إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ﴾ من القول الحق. ثمّ فسّره بقوله : ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللهَ﴾ الذي يكون ﴿رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ وخالقي وخالقكم ﴿وَكُنْتُ﴾ بحسب وظيفة الرّسالة ﴿عَلَيْهِمْ شَهِيداً﴾ ورقيبا ﴿ما دُمْتُ﴾ مقيما ﴿فِيهِمْ﴾ اراعي أحوالهم وأحملهم على قول الحقّ والعمل الصالح ، وأمنعهم عن الضلال والعصيان ، أو كنت مشاهدا لأحوالهم من الكفر والإيمان ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي﴾ وقطعت علاقتي من الأرض ، ورفعتني إلى
__________________
(١) تفسير الرازي ١٢ : ١٣٦.
(٢) تفسير العياشي ٢ : ٨٧ / ١٣٩٤ ، تفسير الصافي ٢ : ١٠١.