السّماء ﴿كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ﴾ والحافظ المقتدر ﴿عَلَيْهِمْ﴾ الناظر في أحوالهم وأعمالهم.
ثمّ لأجل دفع توهّم الاختصاص بيّن إحاطته بجميع الموجودات بقوله : ﴿وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الأشياء وكلّ موجود من الموجودات ﴿شَهِيدٌ﴾ ورقيب ، لا يخرج من سلطانك ونفوذ إرادتك شيء.
﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)﴾
ثمّ أنّه عليهالسلام بعد تنزيه نفسه من الدّخل (١) في عقائدهم الفاسدة وأعمالهم السيّئة ، تبرّأ من الدّخل في مجازاتهم بالشّفاعة وغيرها بقوله : ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ﴾ على كفرهم وعصيانهم ﴿فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ﴾ مقهورون تحت قدرتك مملوكون لك لا تعاملهم إلّا بالعدل ﴿وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ﴾ وتعفو عن سيّئاتهم ﴿فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب في إرادتك ﴿الْحَكِيمُ﴾ في أفعالك لا تعفو إلّا عمّن هو أهل له.
﴿قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩)﴾
ثمّ بيّن سبحانه نفع قول الحقّ والصّدق إشعارا بتصديق عيسى عليهالسلام بقوله : ﴿قالَ اللهُ هذا﴾ اليوم ﴿يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ﴾ في الدّنيا ﴿صِدْقُهُمْ﴾ في القول والاعتقاد والنيّة والعمل.
ثمّ شرح النّفع بقوله : ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ﴾ وبساتين ملتفّة الأشجار ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ الكثيرة حال كونهم ﴿خالِدِينَ فِيها أَبَداً﴾ ليس لهم خوف الخروج عنها.
ثمّ بشّرهم بأعلى المنافع والحظوظ بقوله : ﴿رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ﴾ بطاعتهم وصدقهم في القول والعمل ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ بنيلهم أعلى الكرامات ، وهو مقام الرّضوان و﴿ذلِكَ﴾ المقام هو ﴿الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ والنّجاح بأعلى المقاصد.
عن القمّي رحمهالله : الدّليل على أنّ عيسى لم يقل [ لهم ] ذلك ، قوله : ﴿هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾(٢) .
وعنه باسناده عن الباقر عليهالسلام ، في هذه الآية : [ قال ] : « إذا كان يوم القيامة وحشر النّاس للحساب ، فيمرّون بأهوال يوم القيامة ، ولا ينتهون إلى العرصة حتّى يجهدوا جهدا شديدا » .
__________________
(١) كذا ، والظاهر : الدخول أو التدخّل.
(٢) تفسير القمي ١ : ١٩١ ، تفسير الصافي ٢ : ١٠٢.