﴿آيَةً﴾ ودلالة ﴿مِنْكَ﴾ على كمال قدرتك ، وصحّة نبوّتي ﴿وَارْزُقْنا﴾ المائدة والشّكر عليها ، فإنّك خير المسؤولين ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ تخلق الرّزق وتعطيه بلا منّ ولا عوض.
﴿قالَ اللهُ﴾ بطريق الوحي لعيسى ، إجابة لمسؤوله من إنزال المائدة : ﴿إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ﴾ ومجيب لسؤلكم ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ﴾ بتوحيدي ورسالة رسولي ﴿بَعْدُ مِنْكُمْ﴾ يا بني إسرائيل مع مشاهدة الآية العظيمة الباهرة ﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ﴾ بسبب إصراره على الكفر ، وتمرّنه في الضّلال ﴿عَذاباً﴾ شديدا ﴿لا أُعَذِّبُهُ﴾ ولا أبتلي بمثله ﴿أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ﴾ .
في ( المجمع ) : عن الباقر عليهالسلام : « أنّ عيسى عليهالسلام قال لبني إسرائيل : صوموا ثلاثين يوما ، ثمّ اسألوا الله ما شئتم يعطكموه ، فصاموا ثلاثين [ يوما ] ، فلمّا فرغوا قالوا : [ يا عيسى ] إنّا لو عملنا لأحد من النّاس فقضينا عمله لأطعمنا طعاما ، وإنّا صمنا وجعنا ، فادع الله أن ينزّل علينا مائدة من السّماء ، فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها ، عليها سبعة أرغفة ، وسبعة أحوات (١) حتّى وضعتها بين أيديهم ، فأكل منها آخر النّاس كما أكل أوّلهم » (٢) .
وعن عمّار بن ياسر ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله [ قال ] : « نزلت المائدة خبزا ولحما ، وذلك أنّهم سألوا عيسى طعاما لا ينفد يأكلون منه » قال : « فقيل لهم : فإنّها مقيمة لكم ما لم تخونوا وتخبّأوا وترفعوا ، فإن فعلتم ذلك عذّبتم » قال : « فما مضى يومهم حتى خبّأوا وترفّعوا وخانوا » (٣) .
وعن سلمان الفارسي رضى الله عنه ، قال : والله ، ما تبع عيسى شيئا من المساوئ قطّ ، ولا انتهر يتيما (٤) ، ولا قهقه ضحكا ، ولا ذبّ ذبابا عن وجهه ، ولا أخذ على أنفه من نتن شيء قطّ ، ولا عبث قطّ.
ولمّا سأله الحواريّون أن ينزّل عليهم المائدة لبس صوفا وبكى وقال : ﴿اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ﴾ الآية ، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين وهم ينظرون إليها وهي تهوي منقضّة حتّى سقطت بين أيديهم ، فبكى عيسى عليهالسلام وقال : اللهمّ اجعلني من الشّاكرين ، اللهمّ اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة. واليهود ينظرون إليها ، ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قطّ ، ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحه.
فقام عيسى عليهالسلام فتوضّأ وصلّى صلاة طويلة ، ثمّ كشف المنديل عنها وقال : بسم الله خير الرّازقين. فإذا هو سمكة مشويّة ليس عليها فلوسها ، تسيل سيلا من الدّسم ، وعند رأسها [ ملح ] وعند ذنبها خلّ ، وحولها أنواع البقول ما عدا الكرّاث ، وإذا خمسة أرغفة : على واحد منها زيتون ، وعلى الثّاني عسل ،
__________________
(١) في النسخة : خوان ، تصحيف ، صوابه من مجمع البيان ، والأحوات : جمع حوت.
(٢ و٣) . مجمع البيان ٣ : ٤١٠ ، تفسير الصافي ٢ : ٩٨.
(٤) في النسخة : ولا انتهز شيئا.