عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ .
قيل : كان ذلك منهم في بدو أمرهم وحال عدم استحكام معرفتهم بالله ويقينهم برسالة عيسى ، ولذا أساءوا الأدب بخطابه باسمه ونسبته إلى امّه ، وكان حقّهم أن يقولوا : يا رسول الله ، ويا روح الله (١).
﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ﴾ ويقدر ﴿رَبُّكَ﴾ على ﴿أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً﴾ وخوانا (٢) عليه الطّعام ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ قيل : إنّ المراد : هل جائز في حكمة الله إنزال المائدة من السّماء ؟ وهل يعطيك ربّك إن تسأله ذلك ؟ ! (٣) .
أقول : هذان التوجيهان منافيان لما حكاه الله عن عيسى عليهالسلام في جوابهم بقوله : ﴿قالَ﴾ عيسى : ﴿اتَّقُوا اللهَ﴾ من أمثال هذا السّؤال الكاشف عن شكّكم في قدرته ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بكمال قدرته وموقنين به ﴿قالُوا﴾ لعيسى اعتذارا : إنّه ما دعانا إلى هذا السّؤال الشّكّ في قدرته تعالى ، بل إنّا ﴿نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها﴾ للاستشفاء من أمراضنا على قول ، أو لسدّ الرّمق على قول آخر ، حيث قيل : إنّ السّؤال كان في زمن المجاعة (٤) .
﴿وَتَطْمَئِنَ﴾ بمشاهدتها ﴿قُلُوبُنا﴾ ويتقوّى علمنا الاستدلالي بالعلم الشّهودي ﴿وَنَعْلَمَ﴾ بعين اليقين ﴿أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا﴾ في ادّعاء الرّسالة ، لكون هذه المعجزة أتمّ الأدلّة عليه ﴿وَنَكُونَ عَلَيْها﴾ عند أهل العالم ﴿مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ حتّى يزداد المؤمنون برسالتك إيمانا ، ويؤمن الكافرون بك باطّلاعهم عليها.
﴿قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً
لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها
عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ
الْعالَمِينَ (١١٥)﴾
في كيفية نزول المائدة
فلمّا أظهروا أغراضا ظاهرة الصّحّة لسؤالهم ﴿قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ متضرّعا إلى الله : ﴿اللهُمَّ رَبَّنا﴾ اللّطيف بنا ، المكمّل لنفوسنا ﴿أَنْزِلْ عَلَيْنا﴾ بجودك وتفضّلك ﴿مائِدَةً﴾ وخوانا من الطّعام ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ كي ﴿تَكُونُ لَنا﴾ تلك المائدة ويوم نزولها ﴿عِيداً﴾ وسرورا ، ويوم سرور ﴿لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا﴾ وسابقنا ولاحقنا إلى يوم القيامة ﴿وَ﴾ تكون
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٤٦٢.
(٢) الخوان : ما يؤكل عليه.
(٣) تفسير الرازي ١٢ : ١٢٩.
(٤) تفسير روح البيان ٢ : ٤٦٢.