ثمّ كأنّه قيل : من الذين استحق الكتابيّان المدّعيان للشّراء عليهم الحلف ؟ قيل : هما ﴿الْأَوْلَيانِ﴾ بالميّت والأقربان إليه ﴿فَيُقْسِمانِ﴾ كلا الآخرين ﴿بِاللهِ لَشَهادَتُنا﴾ وحلفنا ﴿أَحَقُ﴾ بالقبول وأولى ﴿مِنَ﴾ حلف الكتابيّين و﴿شَهادَتِهِما﴾ مع كونها كاذبة ﴿وَمَا اعْتَدَيْنا﴾ وما تجاوزنا في شهادتنا ، وما ظلمنا على الكتابيّين بإبطال حقّهما ﴿إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسنا بتعريضها لسخط الله بهتك حرمة اسمه المبارك ، أو لمن الواضعين للحقّ في غير موضعه.
فتحصّل من الآيتين الشّريفتين أنّ من أشرف على الموت ينبغي أن يوصي ويشهد على وصيّته شاهدين عدلين من أهل الإيمان ، فإن لم يوجدا بأن كان في سفر فيشهد رجلين من أهل الكتاب عدلين في دينهما ، فإن ارتاب الوارث فيهما يؤمران بأن يحلفا بعد صلاة العصر أنّهما ما كتما الشّهادة وما خانا في التّركة شيئا ، فإن اطّلع على كذبهما في الشّهادة أو خيانتهما في التّركة بأن ظهر بأيديهما شيء منها ، وادّعيا أنّ الميّت ملّكهما إيّاه ، وأنكره الورثة ، حلف اثنان منهم وعمل بحلفهما.
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد نزول : ﴿فَإِنْ عُثِرَ﴾ إلى آخر الآية أمر أولياء تميم الدّاري أن يحلفوا بالله على ما أمرهم به فحلفوا ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله القلادة والآنية من ابن بيدي وأبن أبي مارية وردّهما إلى أولياء تميم الدّاري (١) .
وفي رواية بعض العامّة : كان تميم الدّاري يقول بعدما أسلم : صدق الله ورسوله ، أنا أخذت الإناء ، فأتوب الى الله (٢) .
وعن ابن عبّاس رضى الله عنه : أنّه بقيت تلك الواقعة مخفيّة إلى أن أسلم تميم الدّاري ، فلمّا أسلم أخبر بذلك وقال : حلفت كاذبا ، وأنا وصاحبي بعنا الإناء بألف وقسّمنا الثّمن ، ثمّ دفع خمسمائة درهم من نفسه ، ونزع من صاحبه خمسمائة اخرى ودفع الألف إلى موالي الميت (٣) .
قيل اتّفق العلماء على أنّ هذه الآية أشكل ما في القرآن إعرابا ونظما وحكما (٤) .
﴿ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ
أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (١٠٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه حكمة تشريع هذه الكيفيّة من الشّهادة بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ الحكم الذي ذكرناه ، والطّريق الذي شرعناه ﴿أَدْنى﴾ وأقرب إلى ﴿أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ﴾ وأن يؤدّيها الشّهود ﴿عَلى
__________________
(١) الكافي ٧ : ٦ / ٧ ، تفسير الصافي ٢ : ٩٦.
(٢ و٣) . تفسير الرازي ١٢ : ١٢٠.
(٤) تفسير روح البيان ٢ : ٤٥٤.