وصلاح ﴿مِنْكُمْ﴾ ومن أهل دينكم ، [ سواء أ ] كان الموصي في الحضر أو في السّفر ﴿أَوْ﴾ رجلان ﴿آخَرانِ﴾ كائنان ﴿مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ وممّن خالفكم في الدّين ، وإنّما تقبل شهادتهما ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ﴾ وسرتم ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ وسافرتم فيها ﴿فَأَصابَتْكُمْ﴾ ونالتكم ﴿مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ وقاربكم الأجل.
ثمّ كأنّه قيل : كيف يقيمان الشّهادة ؟ فأجاب بقوله : ﴿تَحْبِسُونَهُما﴾ وتصبّرونهما للتّحليف ﴿مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ﴾ لتغليط اليمين بشرف الوقت ، كما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « أنّه وقتئذ حلف من حلف » (١) ، ولأنّه وقت اجتماع النّاس فيثقل على النّفوس الأبيّة الكذب في مشهد النّاس ، فيستحلف حينئذ الآخران ﴿فَيُقْسِمانِ بِاللهِ﴾ ولكن هذا ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ أيّها الورّاث فيهما بخيانة في التّركة.
ثمّ يقولون بعد الشّهادة والقسم : إنّا ﴿لا نَشْتَرِي﴾ بالقسم ، أو بالله ولا نطلب ﴿بِهِ﴾ لأنفسنا ﴿ثَمَناً﴾ وعوضا من متاع الدّنيا ﴿وَلَوْ كانَ﴾ المقسم له وهو الميّت ﴿ذا قُرْبى﴾ ومتّصلا بالرّحم ﴿وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ﴾ التي أمرنا الله بها وبحفظها ، ونهانا عن كتمانها وتضييعها ، فإن كتمناها أو ضيّعناها ﴿إِنَّا إِذاً﴾ بالله ﴿لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ والعاصين.
روي من طريق العامّة أنّ تميم بن أوس الدّاري وعدي بن زيد خرجا إلى الشّام للتّجارة ، وكانا حينئذ نصرانيّين ، ومعهما بديل بن أبي مريم (٢) مولى عمرو بن العاص وكان مسلما مهاجرا ، فلمّا قدما إلى الشّام مرض بديل ، فكتب كتابا فيه أسماء جميع ما معه وطرحه في درج الثّياب ، ولم يخبرهما بذلك ، وأوصى إليهما بأن يدفعا متاعه إلى أهله فمات ، ففتّشاه فوجدا فيه إناء من فضّة وزنه ثلاثمائة مثقال منقوشا بالذّهب ، فغيّباه ودفعا المتاع إلى أهله فأصابوا فيه الكتاب فقالوا لهما : هل باع صاحبكما شيئا من متاعه ؟ قالا : لا ، قالوا : فهل طال مرضه فأنفق شيئا على نفسه ؟ قالا : لا ، إنّما مرض حين قدم البلد ، فلم يلبث أن مات. قالوا : فإنّا وجدنا في متاعه صحيفة فيها تسمية متاعه ، وفيها إناء منقوش مموّه بالذّهب وزنه ثلاثمائة مثقال. قالا : ما ندري ، إنّما أوصى إلينا بشيء وأمرنا أن ندفعه إليكم ففعلنا ، وما لنا بالإناء من علم. فرفعوهما إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فنزلت : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فاستحلفهما بعد صلاة العصر عند المنبر بالله الذي لا إله إلّا هو ، أنّهما لم يخونا شيئا مما دفع ، ولا كتما ، فحلفا على ذلك ، فخلّى رسول الله صلىاللهعليهوآله سبيلهما.
ثمّ أنّه وجد الإناء في مكّة ، فقال من بيده : اشتريته من تميم وعديّ - وقيل : لمّا طالت المدّة أظهراه-
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٤٥٥.
(٢) كذا في النسخة وروح البيان أيضا ، لكن في اسد الغابة ١ : ١٦٩ بديل بن مارية.