ونصب الأوثان ، وشرع البحيرة والسّائبة والوصيلة والحام ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ولقد رأيته في النّار يؤذي أهل النّار بريح قصبه (١) » . ويروى يجرّ قصبه في النّار (٢) .
وقال ابن عباس : قوله : ﴿وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ﴾ يريد عمر بن لحي وأصحابه ، يقولون على الله هذه الأكاذيب والأباطيل في تحريم هذه الأنعام (٣) .
وقيل : إنّ الرّؤساء يفترون على الله الكذب ، فأمّا الأتباع والعوام فهم المعنيون بقوله : ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾(٤) أنّه افتراء على الله حتّى يخالفوهم ويهتدوا إلى الحقّ بأنفسهم.
﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ
آباءَنا أَ وَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٠٤)﴾
ثمّ نبّه سبحانه على غاية قصور عقلهم ، وانهماكهم في التّقليد بقوله : ﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمْ﴾ على سبيل الارشاد والهداية ﴿تَعالَوْا إِلى﴾ قبول ﴿ما أَنْزَلَ اللهُ﴾ من الكتاب المبيّن للحلال والحرام ﴿وَإِلَى الرَّسُولِ﴾ المبلّغ عنه ، حتّى تقفوا على الحقّ ﴿قالُوا﴾ عصيانا وعنادا : ﴿حَسْبُنا﴾ وكفانا دليلا على الحقّ ﴿ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا﴾ من الاعتقاد والأعمال.
ثمّ ردّهم الله بقوله : ﴿أَ وَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً﴾ من الدّين ، ﴿وَلا يَهْتَدُونَ﴾ إلى شيء من الحقّ والصّواب.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ
مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان انهماك كثير من الكفّار في الضّلال ، وإصرارهم على الكفر ، أمر المؤمنين بالثّبات على الإيمان ، والعمل بأحكام الإسلام ، وعدم المبالاة بضلالة أهل الضّلال بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ والتزموا بحفظها من الضّلال والعصيان ، واهتمّوا بتكميلها بحسن الأخلاق ، ولا تغتمّوا بانحراف النّاس عن الحقّ ، فإنّه ﴿لا يَضُرُّكُمْ﴾ بوجه من الوجوه ﴿مَنْ ضَلَ﴾ عن الحقّ بضلالة ﴿إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ بتوفيق الله إلى دينه ومرضاته.
عن القمّي قال : أصلحوا أنفسكم ، ولا تتّبعوا عورات النّاس ولا تذكروهم ، فإنّه لا يضرّكم ضلالتهم
__________________
(١) القصب : المعى ، وجمعه أقصاب ، وقيل : القصب : اسم للأمعاء كلها ، وقيل : هو ما كان أسفل البطن منها.
(٢ و٣) . تفسير الرازي ١٢ : ١١٠.
(٤) تفسير الرازي ١٢ : ١١٠.