ثمّ بالغ سبحانه في الزّجر عنه حيث وعظهم بأنّ أمثال هذه السّؤالات سؤالات ﴿قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ﴾ كانوا ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ من أنبيائهم ، فاجيبوا عنها ﴿ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ﴾ حيث جحدوا بالأجوبة ، ولم يعملوا بها.
قيل : إنّ بني إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم في أشياء ، فإذا امروا تركوها ، فهلكوا (١) .
﴿ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٠٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد النّهي عن السّؤال عمّا يحتمل أن يكون في جوابه فضيحتهم ، أو المشقّة عليهم ، نهاهم عن التّكليف بما لم يكلّفهم الله به بقوله : ﴿ما جَعَلَ اللهُ﴾ وما شرع شيئا ﴿مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ﴾ .
عن ( المعاني ) : عن الصادق عليهالسلام : « أنّ أهل الجاهليّة كانوا إذا ولدت النّاقة ولدين في بطن واحد قالوا : وصلت ، فلا يستحلّون نحرها ولا أكلها ، فإذا ولدت عشرا جعلوها سائبة ولا يستحلّون ظهرها ولا أكلها ، والحام : فحل الإبل لم يكونوا يستحلّونه ، فأنزل الله عزوجل أنّه لم يحرّم شيئا من ذلك».
وقد روي أنّ البحيرة : النّاقة إذا أنتجت خمسة أبطن ، فإذا كان الخامس ذكرا نحروه وأكله الرّجال والنّساء ، وإن كان الخامس انثى بحروا اذنها - أي شقّوها - وكانت حراما على النّساء (٢) ؛ لحمها ولبنها ، فإذا ماتت حلّت للنساء.
والسّائبة : البعير يسيّب بنذر يكون على الرّجل إن سلّمه الله من مرض ، أو بلغ منزله أن يفعل ذلك.
والوصيلة : من الغنم ، كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن ، فإذا كان السّابع ذكرا ذبح وأكل منه الرّجال والنّساء ، [ وإن كانت أنثى تركت في الغنم ] وإن كان ذكرا وانثى قالوا : وصلت أخاها فلم تذبح ، وكان لحومهما (٣) حراما على النّساء إلّا أن يموت منها شيء فيحلّ أكلها للرّجال والنّساء.
والحام : الفحل إذا ركب ولد ولده قالوا : قد حمى ظهره.
ويروى أن الحام هو من الإبل ، إذا أنتج عشرة أبطن قالوا : قد حمى ظهره ، فلا يركب ولا يمنع من كلأ ولا ماء (٤) .
قيل : إنّ عمر بن لحي الخزاعي كان قد ملك مكّة ، وكان أوّل من غيّر دين إسماعيل ، فاتّخذ الأصنام ،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٤٤٩.
(٢) زاد في المصدر : والرّجال.
(٣) في المصدر : لحومها.
(٤) معاني الأخبار : ١٤٨ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ٩٢.