وقام آخر فقال : يا رسول الله ، أين أبي ؟ فقال : « في النّار » . ولمّا أشتّد غضب الرّسول قام عمر وقال : رضينا بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمّد نبيّا ، فأنزل الله هذه الآية (١) .
﴿وَ﴾ لا عن أشياء ﴿إِنْ تَسْئَلُوا﴾ الرّسول ﴿عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ﴾ وفي زمان إتيان الوحي ﴿تُبْدَ لَكُمْ﴾ تلك المسألة وتظهر.
وقيل : إنّ المراد : إن تسألوا عن شيء نزل به القرآن لكّنكم ما فهمتم المراد منه ، فهذا السّؤال جائز ، ويظهر لكم جوابه.
عن القمّي رحمهالله : عن الباقر عليهالسلام : « أنّ صفيّة بنت عبد المطّلب مات ابن لها فأقبلت إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فقال لها عمر : غطّي قرطك (٢) ، فإنّ قرابتك من رسول الله لا تنفعك شيئا ، فقالت له : هل رأيت لي قرطا يا بن اللّخناء (٣) ، ثمّ دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبرته بذلك وبكت ، فخرج رسول الله فنادى : الصّلاة جامعة ، فاجتمع النّاس فقال : ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع ! لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في خارجكم (٤) ، لا يسألني اليوم أحد من أبوه إلّا اخبرته ، فقام إليه رجل فقال : من أبي يا رسول الله ؟ فقال : أبوك غير الذي تدعى له ، أبوك فلان بن فلان ، فقام آخر فقال : من أبي يا رسول الله ؟ قال : أبوك الذي تدعى له. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ما بال الذي يزعم أنّ قرابتي لا تنفع لا يسألني عن أبيه ؟ فقام إليه عمر فقال له : أعوذ بالله يا رسول الله من غضب الله وغضب رسول الله ، اعف عنّي عفا الله عنك. فأنزل الله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية » (٥) .
عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « أنّ الله افترض عليكم فرائض فلا تضيّعوها ، وحدّ لكم حدودا فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء ولم يدعها نسيانا فلا تتكلّفوها» (٦) .
ثمّ أشار سبحانه إلى أنّ حكمة النّهي عن السّؤال ليست منحصرة في الصّيانة عن مسألة المؤمنين ، بل لكونه إيذاء للنبيّ ومعصية لله ، بقوله : ﴿عَفَا اللهُ﴾ عن مسائلكم السّابقة وإيذائكم للرّسول ، وتجاوز ﴿عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ وفيه الحثّ على الانتهاء عن المسألة وعدم العود إلى إكثارها.
﴿قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ١٢ : ١٠٦.
(٢) القرط : ما يعلّق في شحمة الأذن من ذهب أو فضة أو نحوهما.
(٣) اللّخناء : المرأة المنتنة.
(٤) في المصدر : أحوجكم.
(٥) تفسير القمي ١ : ١٨٨ ، تفسير الصافي ٢ : ٩١.
(٦) نهج البلاغة : ٤٨٧ الحكمة ١٠٥ ، تفسير الصافي ٢ : ٩٢.