وتداوله بين النّاس ، فإنّ العبرة بالجود والحسن والرّداءة والقبح ، دون القلّة والكثرة ، التّعارف بين النّاس وعدمه ، فإنّ المحمود القليل خير من المذموم الكثير.
فإذا كان كذلك ﴿فَاتَّقُوا اللهَ﴾ في مخالفة أوامره ونواهيه ﴿يا أُولِي الْأَلْبابِ﴾ وذوي العقول السّليمة والإدراكات الصّافية عن كدورات الشّهوات ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وتفوزون بأعلى المقاصد من الخيرات الدّنيوية والنّعم الاخرويّة.
قيل : نزلت في حجّاج اليمامة لمّا هم المسلمون أن يوقعوا بهم ، بسبب أنّه كان فيهم الحطيم ، وقد أتى المدينة في السّنة السّابقة ، واستاق سرح (١) المدينة ، فخرج في العام القابل - وهو عام عمرة القضاء - حاجا ، فبلغ ذلك أصحاب السّرح ، فقالوا للنبيّ صلىاللهعليهوآله : هذا الحطيم خرج حاجا مع حجّاج اليمامة ، فخلّ بيننا وبينه ؟ فقال صلىاللهعليهوآله : « [ إنّه ] قلّد الهدي » . ولم يأذن لهم في ذلك ، بسبب استحقاقهم الأمن بتقليد الهدايا. فنزلت الآية تصديقا له صلىاللهعليهوآله في نهيه إيّاهم (٢) .
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها
حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان أنّ النبيّ وظيفته التّبليغ وبيان الأحكام ، وكان المسلمون يسألونه عمّا لا يعنيهم من المسائل ، نهاهم عن إكثار السّؤال عمّا يوجب التّشديد عليهم بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا﴾ الرّسول ﴿عَنْ أَشْياءَ﴾ ومطالب وأحكام ﴿إِنْ تُبْدَ﴾ وتظهر ﴿لَكُمْ﴾ تلك الأمور ببيان الرّسول ﴿تَسُؤْكُمْ﴾ وتغمّكم لما ترون من مخالفتها لطباعكم.
روى أنس أنّهم سألوا النبيّ صلىاللهعليهوآله فأكثروا المسألة ، فقام على المنبر فقال : « سلوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء ما دمت في مقامي هذا إلّا حدّثتكم به » ، فقام عبد الله بن حذافة - وكان يطعن في نسبه - فقال : يا نبيّ الله ، من أبي ؟ فقال : « أبوك حذافة بن قيس » (٣) .
في ذكر سؤال عكاشة
وقال سراقة بن مالك - ويروى عكاشة بن محصن - يا رسول الله ، الحجّ علينا في كلّ عام ؟ فأعرض عنه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، حتّى أعاد مرّتين أو ثلاثة ، فقال صلىاللهعليهوآله : « ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم ، والله لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لتركتم ، ولو تركتم لكفرتم ، فاتركوني ما تركتكم ، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه » .
__________________
(١) السّرح : الماشية.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ٤٤٧.
(٣) تفسير الرازي ١٢ : ١٠٦.