﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الإعلام بغاية لطفه ، أعلمهم بشدّة عقابه على من عصاه بقوله : ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ على مخالفة أحكامه وهتك حرماته ؛ فلا تغترّوا بسعة لطفه ورحمته ، ولا تأمنوا من أخذه.
ثمّ بعد تربيته المهابة والخوف في القلوب ، أعلن بسعة غفرانه ورحمته تربية للرّجاء في قلوب العصاة بقوله : ﴿وَ﴾ اعلموا أيّها المؤمنون ﴿أَنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ للذّنوب ﴿رَحِيمٌ﴾ بالعباد ، فلا تيأسوا بكثرة المعاصي من روح الله ورحمته.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا » (١) .
عن الصادق ، عن آبائه عليهمالسلام ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، عن جبرئيل ، قال : « قال الله تعالى : من أذنب [ ذنبا ] صغيرا أو كبيرا ، وهو يعلم أنّ لي أن اعذّبه وأن أعفو عنه ، عفوت عنه » (٢) .
﴿ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٩٩)﴾
ثمّ أنّه سبحانه بعد التّرهيب والتّرغيب حث على طاعة أحكامه ، والزّجر عن العصيان مبالغا في الوعيد عليه بقوله : ﴿ما عَلَى الرَّسُولِ﴾ وليس في عهدته ﴿إِلَّا الْبَلاغُ﴾ وقد بلّغ الأحكام والوعد بالثّواب والوعيد بالعقاب ، وبالغ في بيانها ، وخرج عمّا في عهدته من الرّسالة ، وبقي عليكم من الطّاعة والامتثال ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ﴾ من الأقوال والأعمال الحسنة والسّيّئة ﴿وَما تَكْتُمُونَ﴾ وتخفون من الضّمائر والنيّات ، والخلوص والنّفاق ، ويجازيكم بحسبها.
﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي
الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠)﴾
ثمّ لمّا نهى عن تحريم الطيّبات من الأغذية والأعمال ، وبيّن أنّ الخمر ولحم صيد المحرم من الخبائث ، حثّ على الالتزام بالطّيّبات واجتناب الخبائث بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، للنّاس ﴿لا يَسْتَوِي﴾ عند الله وأوليائه ، وفي حكم العقل السّليم ﴿الْخَبِيثُ﴾ الرّذيل الرّوحاني من الجهل بالله وعصيانه ﴿وَالطَّيِّبُ﴾ المستحسن الرّوحاني من المعارف الإلهيّة وطاعته ، كما لا يستوي الخبيث والطّيّب الجسمانيّان في أنظار النّاس وطباعهم ، ﴿وَلَوْ أَعْجَبَكَ﴾ وسرّك ﴿كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ وشيوعه
__________________
(١) تفسير الرازي ١٢ : ١٠٢.
(٢) التوحيد : ٤١٠ / ١٠ ، تفسير الصافي ٢ : ٩٠.