ثمّ نبّه سبحانه على أنّ هذه الكفّارة إنّما هي إذا كان القتل بعد تحريم الصّيد بقوله : ﴿عَفَا اللهُ﴾ وتجاوز ﴿عَمَّا سَلَفَ﴾ منكم من قتل الصّيد قبل تحريمه ، أو من الدّفعة الاولى ﴿وَمَنْ عادَ﴾ إلى قتله في حال إحرامه بعد التّحريم وعلم القاتل به ، أو بعد التعمّد في الدّفعة الاولى ﴿فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ﴾ ويعذّبه في الآخرة بالنّار ﴿وَاللهُ عَزِيزٌ﴾ وغالب لا يغالب ﴿ذُو انْتِقامٍ﴾ شديد ممّن أصرّ على عصيانه.
عن ابن أبي عمير مرسلا : « إذا أصاب المحرم الصّيد خطأ فعليه أبدا في كلّ ما أصاب الكفّارة (١) ، فإن عاد فأصاب ثانيا متعمّدا فليس عليه فيه الكفّارة ، وهو ممّن قال الله عزوجل : ﴿وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ﴾(٢) .
وعن الصادق عليهالسلام ، في الصحيح : « المحرم إذا قتل الصّيد ، فعليه جزاؤه ويتصدّق بالصيد على مسكين ، فإن عاد فقتل صيدا آخر ، لم يكن عليه جزاؤه ، وينتقم الله منه ، والنّقمة في الآخرة » (٣) .
وعليه أكثر الأصحاب - كما قيل (٤) - والأظهر اعتبار العود في إحرام واحد ، وكون الدّفعة الاولى أيضا عن عمد ، وإن أمكن دعوى الإطلاق ، إلّا أنّه ممنوع.
﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما
دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦)﴾
ثمّ لمّا حرّم الله تعالى الصّيد وكان مظنّة فهم العموم ، صرّح بتخصيصه بصيد البرّ ، وإباحة صيد البحر بقوله : ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾ من السّمك الذي له فلس ، سواء اخذ من الماء بعلاج ، أو لفظه البحر ونضب عنه الماء واخذ من غير حيلة وعلاج ﴿وَطَعامُهُ﴾ والمملوح منه - كما عن ابن عبّاس رضى الله عنه (٥) ، وقيل : إنّه مذهب أهل البيت (٦) ، وقيل : إنّه أعمّ من الطّريّ والمملوح - ليكون ﴿مَتاعاً﴾ وانتفاعا ﴿لَكُمْ﴾ أيّها المقيمون ﴿وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ والمسافرين بأن يتزوّدوا به.
عن ( الكافي ) : عن الصادق عليهالسلام : « لا بأس بصيد المحرم السّمك ويأكله ؛ مالحه وطريّه ، ويتزوّد » .
وقال : ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ قال : « مالحه الذي يأكلون»(٧).
﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ﴾ اصطيادا وقتلا وإشارة ودلالة وإغلاقا وإغراء للحيوان به ، وبيعا وشراء وتملّكا وإمساكا وأكلا ﴿ما دُمْتُمْ حُرُماً﴾ وعليه يكون نهي الآية أعمّ من النّهي السّابق لا تأكيدا له.
__________________
(١) زاد في الكافي : وإذا أصابه متعمدا فإن عليه الكفارة.
(٢) الكافي ٤ : ٣٩٤ / ٣.
(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٧.
(٤) كنز العرفان ١ : ٣٢٧ / ١٢.
(٥) مجمع البيان ٣ : ٣٨٠.
(٦) مجمع البيان ٣ : ٣٨٠.
(٧) الكافي ٤ : ٣٩٢ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ٩٠.