والشّبهات على اختلاف مراتبها ، ويمكن معها الشّرك ، كما قال سبحانه : ﴿وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾(١) ، ويعبّر عنها بالإسلام ، كما قال الله عزوجل : ﴿قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾(٢) ، والتقوى المتقدّمة عليها [ هي ] تقوى العامّ.
وأوسطها تصديقات لا يشوبها شك ولا شبهة ، كما قال الله عزوجل : ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا﴾(٣) ، وأكثر إطلاق الإيمان عليها خاصّة ؛ كما قال الله عزوجل : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾(٤) ، والتّقوى المتقدّمة عليها [ هي ] تقوى الخاصّ.
وآخرها تصديقات كذلك ، مع شهود وعيان ، ومحبّة كاملة لله عزوجل ، كما قال الله عزوجل : ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾(٥) ، ويعبّر عنها تارة بالإحسان ؛ كما ورد في الحديث النبوي : « الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه » (٦) ، واخرى بالإيقان ، كما قال الله : ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾(٧) ، والتّقوى المتقدّمة عليها [ هي ] تقوى خاصّ الخاصّ.
وإنّما قدّمت [ التقوى ] على الإيمان لأنّ الإيمان [ إنما ] يتحصّل ويتقوّى بالتّقوى ، لأنّها كلّما ازدادت ازداد الإيمان بحسب ازديادها ، وهذا لا ينافي تقدّم أصل الإيمان على التّقوى ، بل ازديادها بحسب ازدياده ، وأيضا لأنّ الدّرجة المتقدّمة لكلّ منها غير الدّرجة المتأخرة ، ومثل ذلك مثل من يمشي بسراج في ظلمة ، فكلّما أضاء له من الطّريق قطعة مشى فيها ، فيصير ذلك المشي سببا لإضاءة قطعة ا خرى ، وهكذا (٨) .
أقول : مقصود الشيخ من ذكر الرّواية وتوضيحها توجيه تكرار الأمر بالتّقوى في الآية بالمراتب الثّلاث المذكورة في الرّواية.
وعن الصادق عليهالسلام قال : « اتي عمر بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر وقامت عليه البيّنة ، فسأل أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فأمره أن يجلد ثمانين جلدة ، فقال قدامة : يا أمير المؤمنين ، ليس عليّ حدّ ، أنا من أهل هذه الآية ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا﴾ قال أمير المؤمنين عليهالسلام : لست من أهلها ، إنّ طعام أهلها لهم حلال ، ليس يأكلون ولا يشربون إلّا ما أحلّه الله لهم. ثمّ قال عليّ عليهالسلام : إنّ الشّارب إذا شرب لم يدر ما يأكل ولا ما يشرب ، فاجلدوه ثمانين جلدة » (٩).
__________________
(١) يوسف : ١٢ / ١٠٦.
(٢) الحجرات : ٤٩ / ١٤.
(٣) الحجرات : ٤٩ / ١٥.
(٤) الأنفال : ٨ / ٢.
(٥) المائدة : ٥ / ٥٤.
(٦) مجمع البيان ٣ : ١٧٨.
(٧) البقرة : ٢ / ٤.
(٨) تفسير الصافي ٢ : ٨٥.
(٩) الكافي ٧ : ٢١٥ / ١٠ ، تفسير الصافي ٢ : ٨٦.