ثمّ بيّن سبحانه أنّ فائدة الإحسان ليس منحصرة في نفي الجناح ، بل له فائدة عظيمة بقوله : ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فإنّ حبّ الله عبده أعظم الفوائد في الدّنيا والآخرة ، وأعلى المقامات للمؤمن ، ولذا سمّي رسول الله من بين الرّسل بحبيب الله.
عن القمّي : هذا لمن مات قبل تحريم الخمر ، والجناح هو الإثم ، وهو على من شربها بعد التّحريم(١).
وقيل : ﴿فِيما طَعِمُوا﴾ [ أي ] ممّا لم يحرّم عليهم ﴿إِذا مَا اتَّقَوْا﴾ أي المحرّم ﴿وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ أي ثبتوا على الإيمان والأعمال الصّالحات ﴿ثُمَّ اتَّقَوْا﴾ أي ما حرّم عليهم بعد كالخمر ﴿وَآمَنُوا﴾ بتحريمه ﴿ثُمَّ اتَّقَوْا﴾ أي استمرّوا وثبتوا على اتّقاء المعاصي ﴿وَأَحْسَنُوا﴾ أي وتحرّوا الأعمال الجميلة واشتغلوا بها (٢) .
وروى البهائي ( أعلى الله مقامه ) في ( حاشية أسرار التنزيل ) عن ( مصباح الشريعة ) : عن الباقر (٣) عليهالسلام : « التّقوى على ثلاثة أوجه : تقوى في الله (٤) ؛ وهي ترك الحلال (٥) فضلا عن الشّبهة ، وهي تقوى خاصّ الخاصّ ، وتقوى من الله ؛ وهي ترك الشّبهات فضلا عن الحرام ، وهي تقوى الخاصّ ، وتقوى من خوف النّار والعقاب ؛ وهي ترك الحرام ، وهي تقوى العامّ.
ومثل التّقوى كماء يجري في نهر ، ومثل هذه الطّبقات الثّلاث في معنى التّقوى كأشجار مغروسة على حافّة ذلك النّهر [ من ] كلّ لون وجنس ، وكلّ شجر يمتص الماء من ذلك النّهر على قدر جوهره وطبعه ولطافته وكثافته ، ثمّ منافع الخلق من تلك الأشجار والثّمار على قدرها وقيمتها ، قال الله تعالى ﴿صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾(٦) .
فالتّقوى في الطّاعات (٧) كالماء للأشجار ، ومثل طبائع الأشجار [ والأثمار ] في لونها وطعمها مثل مقادير الإيمان ، فمن كان أعلى درجة في الإيمان وأصفى جوهرا بالرّوح كان أتقى ، ومن كان أتقى كانت عبادته أخصّ وأظهر (٨) ، ومن كان كذلك كان من الله أقرب ، وكلّ عبادة غير مؤسّسة على التّقوى فهي هباء منثور ، قال الله تعالى : ﴿أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ﴾(٩) . انتهى كلامه صلوات الله عليه.
ثمّ قال الشّيخ رحمهالله : فنقول في بيان ذلك : إنّ أوائل [ درجات ] الإيمان تصديقات مشوبة بالشّكوك
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ١٨٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٨٤.
(٢) تفسير الصافي ٢ : ٨٤.
(٣) في المصباح : الصادق.
(٤) في المصباح : بالله.
(٥) في المصباح : الخلاف.
(٦) الرعد : ١٣ / ٤.
(٧) في المصباح : للطاعات.
(٨) في المصباح : أخلص وأطهر.
(٩) مصباح الشريعة : ٣٨ ، تفسير الصافي ٢ : ٨٥ ، والآية من سورة التوبة : ٩ / ١٠٩.