وساقيها ، وحاملها ، والمحمول إليه ، وبائعها ، ومشتريها ، وآكل ثمنها » (١) .
في بيان حكمة حرمة الخمر والميسر
ثمّ أنّه تعالى بعد الجمع بين الخمر والميسر والأنصاب والأزلام في النّهي مبالغة في قبح تعاطيهما ، أفردهما بذكر مفاسدهما الدّنيويّة والاخرويّة ، فبدأ بذكر مفاسدهما الدّنيويّة بقوله : ﴿إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ﴾ بسبب تعاطيهما ﴿أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ﴾ مع غاية ائتلافكم ﴿الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ﴾ والتّنازع والتّحاقد ﴿فِي﴾ شرب ﴿الْخَمْرِ وَ﴾ عمل ﴿الْمَيْسِرِ﴾ وبسببهما ، لوضوح أنّ ذهاب العقل والمال موجبان لهيجان الغضب على من خالف هوى السّكران ، وذهب بمال المغلوب في المقامرة ، فتقع المنازعة بين المخمورين فيضاربون ويقاتلون ، والعداوة الشّديدة بين الغالب والمغلوب في المقامرة.
ثمّ ذكر المفاسد الاخرويّة بقوله : ﴿وَيَصُدَّكُمْ﴾ الشّيطان ويمنعكم ﴿عَنْ ذِكْرِ اللهِ﴾ والتّوجّه إليه بالقلب.
ثمّ خصّ الصّلاة بالذّكر مع أنّها من الذّكر بقوله : ﴿وَعَنِ الصَّلاةِ﴾ تعظيما لشأنها بين العبادات ، وإشعارا بأنّ الصدّ عنها كالصدّ عن الإيمان لأنّها عماده وركنه.
ثمّ بالغ سبحانه بعد ذكر مفاسدهما في الرّدع عنهما بإنشاء الاستفهام التّقريري عن انتهائهم عنها بقوله : ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ﴾ أيّها المسلمون بعد هذا النّهي الأكيد والاطّلاع بمفاسدهما ﴿مُنْتَهُونَ﴾ عنهما ، مرتدعون عن ارتكابهما أم لا ؟ !
روي أنّ عمر لما سمعها قال : قد انتهينا يا ربّ (٢) .
في بيان وجوه التأكيد في حرمة شرب الخمر
ففي الآيتين وجوه من التّأكيد في تحريم الخمر والميسر :
الأوّل : حصر الرّجس فيهما وفي قرينتيهما بكلمة ( إنّما ) .
والثاني : تقرينهما بعبادة الأوثان.
والثالث : الأمر باجتنابهما.
والرابع : ترتيب الفلاح على تركهما.
والخامس : شرح مفاسدهما الدّنيويّة والاخرويّة.
والسّادس : المبالغة في الرّدع عنهما والحثّ على اجتنابهما بالاستفهام التّقريري عن انتهائهم عنهما ، فإنّه أمر بالانتهاء مقرونا بأخذ الإقرار من المكلّفين بامتثاله.
__________________
(١) الخصال : ٤٤٤ / ٤١ ، تفسير الصافي ٢ : ٨٣.
(٢) تفسير الرازي ١٢ : ٨١.