والطّيب ، ويسيحوا في الأرض ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأتى دار عثمان بن مظعون فلم يصادفه ، فقال لامرأته أمّ حكيم بنت اميّة ، واسمها خولة ، وكانت عطّارة : « أحقّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه » ، فكرهت أن تكذّب على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكرهت أن تبدي خبر زوجها ، فقالت : يا رسول الله ، إن كان قد أخبرك عثمان فقد صدق.
فرجع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلمّا جاء عثمان أخبرته زوجته بذلك ، فمضى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فسأله النبيّ عن ذلك ، فقال : نعم ، فقال صلىاللهعليهوآله : « أما إنّي لم آمر بذلك ، إنّ لأنفسكم [ عليكم ] حقّا ، فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإنّي أقوم وأنام ، وأصوم وافطر ، وآكل اللّحم والدّسم ، وآتي النّساء ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي » .
ثمّ جمع النّاس وخطبهم وقال : « ما بال أقوام حرّموا النّساء والطّعام والطّيب والنّوم وشهوات الدّنيا ؟ ! أمّا إنّي لا آمركم أن تكونوا قسّيسين ولا رهبانا ، فإنّه ليس من ديني ترك اللّحم والنّساء ، ولا اتّخاذ الصّوامع ، وإنّ سياحة امّتي الصّوم ، ورهبانيتهم الاجتهاد ، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وحجّوا واعتمروا ، وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة ، وصوموا رمضان ، واستقيموا يستقم لكم ، فإنّما هلك من هلك قبلكم بالتّشديد ، شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم ، فاولئك بقاياهم في الدّيارات والصوامع » ، فأنزل الله هذه الآية (١) .
وروي أنّ عثمان بن مظعون جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : إنّ نفسي تحدّثني بأن أختصي ، فأذن لي في الاختصاء. قال : « مهلا يا عثمان ، فإنّ اختصاء امّتي الصّيام » .
قال : يا رسول الله ، إنّ نفسي تحدّثني بأن أترهّب في رؤوس الجبال ؟ قال : « مهلا يا عثمان ، فإنّ ترهّب امّتي الجلوس في المساجد لانتظار الصّلاة » .
قال : يا رسول الله ، إنّ نفسي تحدّثني بأن أخرج من مالي كلّه ؟ قال : « مهلا يا عثمان ، فإن صدقتكم يوما بيوم ، وتعفّ نفسك وعيالك ، وترحم المساكين واليتيم فتعطيهم ، أفضل من ذلك » .
قال : يا رسول الله ، إنّ نفسي تحدّثني أن اطلّق زوجتي خولة ؟ قال : « مهلا يا عثمان ، فإنّ الهجرة في امّتي من هجر ما حرّم الله عليه ، أو هاجر [ إليّ ] في حياتي ، أو زار قبري بعد وفاتي ، أو مات وله امرأة أو امرأتان أو ثلاث أو أربع » .
قال : يا رسول الله ، فإن نهيتني أن لا اطلّقها ، فإنّ نفسي تحدّثني أن لا أغشاها ؟ قال : « مهلا يا عثمان ، فإنّ المسلم إذا غشي امرأته أو ما ملكت يمينه ، فلم يكن [ له ] من وقعته تلك ولد ، كان له وصيف في
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٤٣١.