الجنّة ، وإن كان له من وقعته تلك ولد فمات قبله ، كان له فرطا وشفيعا يوم القيامة ، وإن مات بعده كان له نورا يوم القيامة » .
قال : يا رسول الله ، إنّ نفسي تحدّثني أن لا آكل اللّحم ؟ قال : « مهلا يا عثمان ، فإنّي احبّ اللّحم وآكله إذا وجدته ، ولو سألت ربّي أن يطعمنيه في كلّ يوم لأطعمنيه » .
قال : يا رسول الله ، إنّ نفسي تحدّثني أن لا أمسّ الطّيب ؟ قال : « مهلا يا عثمان ، فإنّ جبرئيل أمرني بالطّيب غبا (١) وقال : يوم الجمعة لا مترك له ، يا عثمان لا ترغب عن سنّتي ، فمن رغب عن سنّتي ثمّ مات قبل أن يتوب ، صرفت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة » (٢) .
﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)﴾
ثمّ صرّح سبحانه بإباحة المأكولات والمشروبات الطيّبة بقوله : ﴿وَكُلُوا﴾ أيّها المؤمنون ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ﴾ حال كونه ﴿حَلالاً طَيِّباً﴾ ومباحا لذيذا ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ في تحريم ما حلّل ، وتحليل ما حرّم ، فإنّ الإيمان موجب للالتزام بأحكام الله والاجتناب عن مخالفتها والتّجاوز عن حدوده.
﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ
فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ
تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ
وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)﴾
ثمّ لمّا كان نزول الآية في شأن بعض كبار الصّحابة الّذين حلفوا على ترك الطيّبات وقالوا : يا رسول الله ، ما نصنع بأيماننا ؟ بيّن الله حكم اليمين وكفّارته بقوله : ﴿لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ﴾ بالكفّارة في الدّنيا ، وبالنّار في الآخرة ﴿بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ﴾ وحلفكم غير المقصود به الجدّ ﴿وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ﴾ ووثّقتم ﴿الْأَيْمانَ﴾ بألسنتكم وقلوبكم إذا حنثتم ، فمن حلف وحنث ﴿فَكَفَّارَتُهُ﴾ وما يستر به ذنبه ﴿إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ﴾ وتغذيتهم مشبعا ، أو إعطاء كلّ مدّا ﴿مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ وأقصد ما ترزقون عيالكم.
__________________
(١) الطّيب غبا : أي يوم يتطيب ويوم لا.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ٤٣١.