واعلموا أنّه قد اوحي إليّ ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ﴾ شيئا في الالوهيّة والعبوديّة ﴿فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ﴾ فلن يدخلها أبدا لأنّها دار الموحّدين ﴿وَمَأْواهُ﴾ ومسكنه في الآخرة هو ﴿النَّارُ﴾ لأنّها معدّة للمشركين ﴿وَما لِلظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم باختيار الشّرك ﴿مِنْ أَنْصارٍ﴾ ينصرونهم ويدفعون عنهم العذاب بالغلبة أو الشّفاعة.
﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا
عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣)﴾
ثمّ ذمّ سبحانه الفرقة الاخرى منهم ، وهم الملكانيّة أو النّسطوريّة - على ما قيل (١) - وحكم بكفرهم أيضا بقوله : ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَ﴾ عيسى وامّه إلهان ، وإنّ ﴿اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ﴾ آلهة ، ﴿وَ﴾ الحال أنّه ﴿ما مِنْ إِلهٍ﴾ ومعبود مستحقّ بالذّات للعبوديّة ﴿إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ﴾ ومعبود فارد ، هو الواجب الوجود ، الكامل الصّفات.
ثمّ هدّد الفريقين بقوله : ﴿وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا﴾ ولم يرتدعوا ﴿عَمَّا يَقُولُونَ﴾ ويعتقدون من الشّرك بالله ﴿لَيَمَسَّنَ﴾ وليصيبنّ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وثبتوا على الشّرك ﴿مِنْهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذابٌ﴾ بالنّار ﴿أَلِيمٌ﴾ في الغاية.
﴿أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤)﴾
ثمّ أنشأ معنى التّعجّب من اختيارهم هذه الأقاويل الفاسدة ، وإصرارهم عليها ، وأنكر عليهم ترك التّوبة حثّا عليها بقوله : ﴿أَ فَلا يَتُوبُونَ﴾ .
قيل : إنّ التّقدير : أيصرّون على الكفر ، فلا يتوبون (٢) ؟ ! ﴿إِلَى اللهِ﴾ حتّى يتوب عليهم ﴿وَ﴾ لا ﴿يَسْتَغْفِرُونَهُ﴾ حتّى يغفر لهم ﴿وَاللهُ غَفُورٌ﴾ لمن عصاه بالكفر أو غيره من المعاصي إن آمن وتاب ﴿رَحِيمٌ﴾ بمن استرحمه.
﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا
يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه غاية شأن عيسى وامّه بقوله : ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ الذي تغلون في شأنه ﴿إِلَّا﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٤٢٢.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ٤٢٣.