راجع إليهم ، لا إليك ولا إلى المسلمين.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد تغليظ القول على الكافرين من أهل الكتاب ، أظهر اللّطف بالمؤمنين منهم بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله وكتبه ورسله ﴿وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾ الّذين هم أشدّ الفرق كفرا وضلالا ﴿وَالنَّصارى﴾ خصوص ﴿مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ قد مرّ تفسيره في البقرة (١) .
قيل : فيها تنبيه على أن لا فضيلة لأحد إلّا بالإيمان والعمل الصّالح من غير فرق بين من آمن أوّلا ، أو بعد الكفر ، فمن اتّصف بالوصفين كان له الأمن في القيامة (٢) .
أقول : لا شكّ في فضيلة الأوّل على الثّاني.
﴿لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا
تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (٧٠)﴾
ثمّ سلّى سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله بتذكّر أنّ خبث ذات طائفة بني إسرائيل وعتوّهم بنقض عهد الله ، وقتل الأنبياء واتباع الهوى ، ليس مختصّا بزمانه بقوله : ﴿لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ بالتوحيد والإيمان ، والعمل بأحكام التّوراة ﴿وَأَرْسَلْنا﴾ مع ذلك العهد ﴿إِلَيْهِمْ﴾ بعد موسى ﴿رُسُلاً﴾ كثيرة ليذكّروهم العهد ، ويبيّنوا أحكام دينهم.
ثمّ كأنّه قيل : فما عاملوا (٣) مع الرسل ؟ فأجاب بقوله : ﴿كُلَّما جاءَهُمْ﴾ من قبل الله ﴿رَسُولٌ﴾ من اولئك الرّسل ﴿بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ﴾ ولا يوافق شهواتهم من التّكاليف الشّاقّة عليهم ، والأحكام غير المرضيّة لهم ، خالفوه وعادوه.
ثمّ كأنّه قيل : كيف خالفوا الرّسل ، وما عاملوا (٤) معهم ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿فَرِيقاً﴾ منهم ﴿كَذَّبُوا﴾ هم من غير أن يتعرّضوا لهم بالإضرار والقتل ﴿وَفَرِيقاً﴾ آخر منهم كانوا ﴿يَقْتُلُونَ﴾ هم كزكريّا ويحيى.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٦٢.
(٢) تفسير روح المعاني ٦ : ٢٠٣.
(٣ و٤) . كذا ، والظاهر : كيف تعاملوا.