في ابن عمّي يقول قائل ، ويقول قائل ، فقلت في نفسي من غير أن ينطق لساني ، فأتتني عزيمة من الله بتلة (١) ، أوعدني إن لم أبلّغ أن يعذّبني ، فنزلت : ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ﴾ الآية ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله بيد عليّ عليهالسلام فقال : أيّها النّاس ، إنّه لم يكن نبيّ من الأنبياء ممّن كان قبلي إلّا وقد عمّره الله ثمّ دعاه فأجابه ، فاوشك أن ادعى فاجيب ، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ، فقالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وأدّيت ما عليك ، فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين ، فقال : اللهمّ اشهد - ثلاث مرّات - ثمّ قال : يا معشر المسلمين ، هذا وليّكم من بعدي ، فليبلّغ الشّاهد منكم الغائب»(٢).
وقال أبو جعفر عليهالسلام : « كان والله ، أمين الله على خلقه وغيبه ودينه الذي أرتضاه لنفسه »(٣).
وعنه عليهالسلام : « أمر الله عزوجل رسوله بولاية عليّ عليهالسلام وأنزل عليه : ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ﴾(٤) الآية ، وفرض ولاية اولي الأمر ، فلم يدروا ما هي ، فأمر الله محمّدا ، أن يفسّر لهم الولاية كما فسّر لهم الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ ، فلمّا أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وتخوّف أن يرتدّوا عن دينهم وأن يكذّبوه ، فضاق صدره وراجع ربّه عزوجل ، فأوحى الله إليه : ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾ الآية ، وصدع بأمر الله تعالى ذكره ، فقام بولاية عليّ عليهالسلام يوم غدير خمّ ، فنادى : الصّلاة جامعة ، وأمر النّاس أن يبلّغ الشّاهد الغائب » .
قال عليهالسلام : « وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الاخرى ، وكانت الولاية آخر الفرائض ، فأنزل الله عزوجل : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ قال : يقول الله عزوجل : لا انزل عليكم بعدها فريضة ، قد أكملت لكم الفرائض » (٥) . الخبر ، إلى غير ذلك من الرّوايات.
ومع ذلك قال الفخر الرازي : واعلم أنّ الرّوايات وإن كثرت إلّا أنّ الأولى حمله على أنّه تعالى آمنه من اليهود والنّصارى ، وأمره بإظهار التّبليغ من غير مبالاة منه بهم وذلك لأنّ ما قبل هذه الآية بكثير وما بعدها بكثير لمّا كان كلاما مع اليهود والنّصارى ، امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين على وجه تكون أجنبيّة عمّا قبلها وما بعدها (٦) .
وفيه : أنّ الظّاهر أن الله آمنه من ضرر جميع الكفّار سواء أكانوا يهودا أو نصارى أو غيرهم من المجوس والمشركين ، والمرتدّين في زمانه ، والمنافقين ، كأصحاب الصّحيفة الملعونه والعقبة. ومن المعلوم أنّ العامّ ليس أجنبيّا عن الخاصّ ، مع أن الظّاهر بل المتيقّن أنّ الآية نزلت بعد تبليغ غالب
__________________
(١) أي قاطعة.
(٢) الكافي ١ : ٢٢٩ / ٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٥٢.
(٣) الكافي ١ : ٢٣٠ / ٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٥٢.
(٤) المائدة : ٥ / ٥٥.
(٥) الكافي ١ : ٢٢٩ / ٤ ، تفسير الصافي ٢ : ٥٢.
(٦) تفسير الرازي ١٢ : ٥٠.