أنا أشتريها بألف ، فأبى الرّجل ، فلم يزل يزيد في الفداء إلى أن بلغ عشرة آلاف ، فأبى الرّجل إلّا القصاص ، فاستنظر عمر فأنظره ، فهرب إلى الرّوم وارتدّ (١) . ولم يقتله أحد.
والقول بأنّ حكم الواحد ليس حكم الجماعة شطط من الكلام ، نعم لا يبعد دلالتها على أنّه يكون في كلّ زمان جماعة متّصفة بالصّفات الكريمة المذكورة في الآية ، وقد كان بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله - وحين ارتداد المسلمين بإنكارهم النصّ الجليّ - جماعة متّصفة بالصّفات كأمير المؤمنين ، وسلمان ، وأبي ذرّ ، والمقداد ، وعمّار ، ولكن لم يكن صلاح الإسلام في جهادهم ، وإلّا كانوا يجاهدون ولا يخافون في الله لومة لائم ، كما لم يكن صلاح الدّين في إقدام النبيّ صلىاللهعليهوآله في جهاد المنافقين مع كثرتهم في زمانه ، بل في جهاد المشركين قبل الهجرة.
ثمّ قال النّاصب : هذه الآية مختصّة بمحاربة المرتدّين ، وأبو بكر هو الّذي تولّى محاربة المرتدّين (٢).
أقول : لم يجاهد أبو بكر أحدا من المرتدّين ، وإنّما حاربهم جيش المسلمين بأمر أبي بكر ، ولم يكن هو في الجيش ، بل لم يكن من حارب جيش أبي بكر من المرتدّين ، بل كانوا منكرين لخلافته ، وإنّما منعوه من الزّكاة بدعوى عدم أهليّته لأخذها ، فاتّهمهم بالارتداد وإنكار وجوبها ، حيث نقل أنّهم قالوا : أمّا الصّلاة فنصلّي ، وأمّا الزّكاة فلا تغصب أموالنا.
روي عن أنس بن مالك أنّه قال : كرهت الصّحابة قتال مانعي الزّكاة ، وقالوا : هم أهل القبلة ، فتقلّد أبو بكر سيفه وخرج وحده ، فلم يجدوا بدّا من الخروج على أثره (٣) .
نعم بعث خالد بن الوليد في جيش كثير إلى مسيلمة حتّى أهلكه الله على يد وحشي قاتل حمزة سيّد الشّهداء ، وكان يقول : قتلت خير النّاس في الجاهليّة ، وشرّهم في الإسلام (٤) .
فكان الأولى أن يقول النّاصب : إنّ الآية نزلت في خالد بن الوليد ، ووحشي - وهو ممّا يضحك به الثّكلى ، لوضوح أنّ خالدا كان ممّن يبغضه الله (٥) - لأنّ صدق المجاهد عليهما حقيقة ، وعلى أبي بكر مجاز بعلاقة السّببيّة ، كما أنّ صدقه على أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأصحابه - عند محاربتهم الفرق الثّلاث المنكرين للنصّ الجليّ على وجوب موالاة عليّ عليهالسلام وأشياعه - حقيقة ، وعلى الرّسول صلىاللهعليهوآله الآمر له بجهادهم مجاز.
ثمّ قال النّاصب : ولا يمكن أن يكون المراد هو الرّسول ؛ لأنّه لم يتّفق له محاربة المرتدّين (٦) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١٢ : ١٩.
(٢) تفسير الرازي ١٢ : ٢٠.
(٣ و٤) . تفسير روح البيان ٢ : ٤٠٥.
(٥) زاد في النسخة : ويبغضه.
(٦) تفسير الرازي ١٢ : ٢٠.