إلّا الله ، ولأنّها عهد الله كما قال سبحانه : ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(١) . ومن المعلوم أنّه لا يمكن أن يكون بيد غيره تعالى حتّى النبيّ.
﴿فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩)﴾
ثمّ أنّه بعد إظهار الغضب على السّارق بحكمه بقطع يده ، أعلن بسعة رحمته بقوله : ﴿فَمَنْ تابَ﴾ من السّرّاق إلى الله وندم من فعله الشّنيع ﴿مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ﴾ على نفسه بالمعصية ، وعلى غيره بسرقة ماله ﴿وَأَصْلَحَ﴾ نيّته في التّوبة ، وعمله بردّ المال ﴿فَإِنَّ اللهَ﴾ بسعة رحمته ﴿يَتُوبُ عَلَيْهِ﴾ ويعفو عنه ، فلا يعذّبه بالقطع في الدّنيا وبالنّار في الآخرة إذا كانت توبته قبل الظّفر ، وبالنّار فقط إن كانت بعده ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ بالتّائبين من المؤمنين.
في ( الكافي ) : عن أحدهما عليهماالسلام ، في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى ، فلم يعلم ذلك منه ، ولم يؤخذ حتّى تاب وصلح ، [ فقال : « إذا صلح ] وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدّ » (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « من أخذ سارقا فعفا عنه فذاك له ، فإذا رفع إلى الإمام قطعه ، فإن قال الذي سرق منه : أنا أهب له ؛ لم يدعه الإمام حتّى يقطعه إذا رفعه إليه ، وإنّما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام ، وذلك قول الله : ﴿وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ﴾(٣) ، فإذا انتهى الحدّ إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه » (٤) .
وعنه عليهالسلام ، أنّه سئل عن الرّجل يأخذ اللّصّ يرفعه أو يتركه ؟ فقال : « إنّ صفوان بن اميّة كان مضطجعا في المسجد الحرام ، فوضع رداءه وخرج يهريق الماء ، فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه ، فقال : من ذهب بردائي ؟ فذهب يطلبه ، فأخذ صاحبه فرفعه إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فقال [ النبيّ ] : اقطعوا يده ، فقال صفوان : تقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : فإنّي أهبه له ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : فهلّا كان هذا قبل أن ترفعه إليّ » قيل : فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه ؟ قال : « نعم»(٥).
أقول : لأجل تلك الرّوايات ذهب أصحابنا إلى اشتراط القطع بمطالبة المسروق منه ، ورفعه السّارق إلى الإمام ، فإن عفا عنه قبل الرّفع سقط الحدّ. وقد ادّعى بعض الأصحاب عدم الخلاف فيه.
﴿أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ
يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠)﴾
__________________
(١) البقرة : ٢ / ١٢٤.
(٢) الكافي ٧ : ٢٥٠ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٥.
(٣) التوبة : ٩ / ١١٢.
(٤) الكافي ٧ : ٢٥١ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٥.
(٥) الكافي ٧ : ٢٥١ / ٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٥.