لتقرير ما كتبنا عليهم ﴿رُسُلُنا﴾ حسب ما أرسلناهم ﴿بِالْبَيِّناتِ﴾ والآيات الواضحات ﴿ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ﴾ التأكيد والتّشديد في أمر القتل ومجيء الرّسل بتقريره ﴿فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ في القتل غير مبالين بعظمته حتّى قتلوا الأنبياء.
﴿إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا
أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ
لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الإشارة إلى جواز قتل المفسدين ، صرّح بإباحته ، بل وجوبه بقوله : ﴿إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ بمحاربة أوليائهما من المسلمين.
عن الباقر عليهالسلام : « من حمل السّلاح باللّيل فهو محارب إلّا أن يكون رجلا ليس من أهل الرّيبة » (١)﴿وَيَسْعَوْنَ﴾ ويمشون ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ لأجل أن يعملوا ﴿فَساداً﴾ في أموال المسلمين ، أو أنفسهم كالنّهب والغارة والقتل ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا﴾ بأن تضرب أعناقهم بالسّيف ؛ إن قتلوا ﴿أَوْ يُصَلَّبُوا﴾ ويقتلوا بالصّلب ، أو يقتلوا ثمّ يصلبوا ؛ إن قتلوا نفسا وأخذوا مالا ﴿أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ﴾ من مفصل الأصابع الأربع ، ويترك الرّاحة والإبهام ﴿وَأَرْجُلُهُمْ﴾ ولكن بنحو يبقى العقب ، إن اقتصروا على أخذ المال ، ولكن لا بدّ أن يكون القطع ﴿مِنْ خِلافٍ﴾ بأن تقطع اليد اليمنى أوّلا ، ثمّ تقطع الرّجل اليسرى ثانيا ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ التي يسكنها إلى مصر آخر ؛ إن أخافوا السّبيل.
ثمّ نبّه الله سبحانه على عدم انحصار عقوبتهم بتلك العقوبات الدّنيويّة بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ الحدّ المقرّر في الشّرع ﴿لَهُمْ خِزْيٌ﴾ وفضيحة ﴿فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ مضافا إلى ذلك ﴿عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ وعقاب شديد لا يقادر قدره.
في غدر قوم من بني ضبة بالرسول صلىاللهعليهوآله
عن الصادق عليهالسلام : « قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله قوم من بني ضبّة مرضى ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله : أقيموا عندي فإذا برئتم بعثتكم في سريّة. فقالوا : أخرجنا من المدينة ، فبعث بهم إلى إبل الصّدقة يشربون من أبوالها ويأكلون من ألبانها ، فلمّا برئوا واشتدّوا قتلوا ثلاثة ممّن كانوا في الإبل وساقوا الإبل ، فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآله الخبر ، فبعث إليهم عليّا عليهالسلام وهم في واد قد تحيّروا ، ليس يقدرون أن يخرجوا منه قريبا من أرض اليمن ، فأسرهم وجاء بهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فنزلت هذه الآية ، فاختار رسول الله صلىاللهعليهوآله القطع ، فقطع أيديهم وأرجلهم من
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢٤٦ / ٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٢.