ثمّ لمّا بيّن سبحانه غاية فضاحة أمر القتل ، وكونه موجبا لخسران الدّنيا والآخرة ، ذكر أنّ ﴿مِنْ أَجْلِ ذلِكَ﴾ الخسران المبين في قتل النّفس وبعلّة هذه الفضاعة الشّديدة فيه شددنا أمره في شرع موسى ، و﴿كَتَبْنا﴾ في اللّوح المحفوظ ، وفي التّوراة ، وقضينا ﴿عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ وسائر امّة موسى ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً﴾ واحدة ﴿بِغَيْرِ﴾ علّة قصاص ﴿نَفْسٍ أَوْ﴾ بغير ﴿فَسادٍ﴾ ظاهر من المقتول ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ الموجب لاستحقاقه القتل وإهدار دمه ، كالشّرك والارتداد ، أو قطع الطّريق وغير ذلك من أسبابه ﴿فَكَأَنَّما قَتَلَ﴾ عمدا وعدوانا ﴿النَّاسَ جَمِيعاً﴾ في استجلاب غضب الله والعذاب العظيم ، لا في مقدارهما ، على ما قيل (١) .
ثمّ أنّه تعالى بعد المبالغة في تعظيم قتل النّفس وإتلافها بغير حقّ ، بالغ في تأكّد وجوب حفظها عن التّلف بقوله : ﴿وَمَنْ أَحْياها﴾ بحفظها عن الهلاك والتّلف بالعفو عن القصاص ، أو منعها عن أن تقتل بغير الحقّ ، أو استنقاذها من المهالك ﴿فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾ .
عن الصادق عليهالسلام : « واد في جهنّم لو قتل النّاس جميعا كان فيه ، ولو قتل نفسا واحدة كان فيه»(٢) .
وعن الباقر عليهالسلام : « يوضع في موضع من جهنّم إليه ينتهي شدّة عذاب أهلها ، لو قتل النّاس جميعا إنّما كان يدخل ذلك المكان » ، قيل : فإن قتل آخر ؟ قال : « يضاعف [ عليه ] » (٣) .
وفي رواية : « له في النّار مقعد لو قتل الناس جميعا لم يزدد على (٤) ذلك المقعد » (٥) .
القمّي : قال : من أنقذها من حرق أو غرق أو هدم أو سبع ، أو كفله حتّى يستغني ، أو أخرجه من فقر إلى غنى ، وأفضل من ذلك من أخرجها من ضلال إلى هدى (٦) .
وعنهما عليهماالسلام : « من أخرجها من ضلال [ إلى هدى ] فكأنّما أحياها ، ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها » (٧) .
وفي رواية : « فمن أخرجها من ضلال إلى هدى ، قال : ذلك تأويلها [ الأعظم ](٨) » .
وعن الصادق عليهالسلام ، قال : « تأويلها الأعظم أن دعاها فاستجابت له » (٩) .
ثمّ أخذ في توبيخ بني إسرائيل على سفكهم الدّماء بعد هذه التّشديدات بقوله : ﴿وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ﴾
__________________
(١) تفسير البيضاوي ١ : ٢٦٤ ، تفسير روح البيان ٢ : ٣٨٤.
(٢) تفسير العياشي ٢ : ٣٧ / ١٢٤٦.
(٣) الكافي ٧ : ٢٧١ / ١.
(٤) في الكافي : لم يرد إلّا إلى.
(٥) الكافي ٧ : ٢٧٢ / ٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٠.
(٦) تفسير القمي ١ : ١٦٧ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٠.
(٧) تفسير العياشي ٢ : ٣٧ / ١٢٤٥ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١ ، عن الصادق عليهالسلام.
(٨) الكافي ٢ : ١٦٨ / ٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١.
(٩) الكافي ٢ : ١٦٨ / ٣ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١.