﴿فَبَعَثَ اللهُ﴾ وأرسل ﴿غُراباً﴾ وهو ﴿يَبْحَثُ﴾ ويحفر ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ حفرة ﴿لِيُرِيَهُ﴾ الله ، أو الغراب ﴿كَيْفَ يُوارِي﴾ ويستر من السّباع ﴿سَوْأَةَ أَخِيهِ﴾ وجيفته أو عورته ؛ لأنّه كان قد سلب ثيابه.
قيل : إنّ الله بعث غرابين فاقتتلا ، فقتل أحدهما الآخر ، فحفر [ له ] بمنقاره ورجليه حفرة فألقاه فيها وواراه ، وقابيل ينظر إليه (١) .
فلمّا تعلّم الدّفن ﴿قالَ﴾ تلهّفا وتحسّرا : ﴿يا وَيْلَتى﴾ احضري فهذا أوانك ﴿أَ عَجَزْتُ﴾ مع عقلي وفطانتي ﴿أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ﴾ البهم ، ولا أهتدي إلى ما اهتدى إليه من مواراة قتيله ﴿فَأُوارِيَ﴾ واستر بالتّراب ﴿سَوْأَةَ أَخِي﴾ وجيفته ﴿فَأَصْبَحَ﴾ قابيل إذن ﴿مِنَ النَّادِمِينَ﴾ على قتل هابيل ، حيث صار سببا لكلفته ، لتحمّله على رقبته مدّة طويلة ، وتحيّره في أمره ، أو لما رأى أنّ الله أكرمه بعد موته ببعث الغراب.
قيل : إنّ الغراب حثا التّراب على هابيل ، ومن عادة الغراب دفن الأشياء (٢) .
روي أنّه لمّا قتل أخاه رجفت الأرض سبعة أيام بما عليها ، ثمّ شربت الأرض دم هابيل كشرب الماء ، فحرّم الله تعالى على الأرض يومئذ أن تشرب دما بعده أبدا (٣) .
قيل : إنّ السّباع والوحوش كانت تستأنس قبل ذلك ، فلمّا قتل قابيل هابيل نفروا ، فلحقت الطّيور بالهواء والوحوش بالبريّة والسّباع بالغياض ، واشتاك الشّجر ، وتغيّرت الأطعمة وحمضت الفواكه ، وأمرّ الماء ، وأغبرّت الأرض (٤) .
في حزن آدم على هابيل ورثائه له
ورثى آدم عليهالسلام هابيل وأنشأ يقول :
تغيّرت البلاد ومن عليها |
|
فوجه الأرض مغبرّ قبيح |
تغيّر كلّ ذي لون وطعم |
|
و قلّ بشاشة الوجه الصّبيح (٥) |
وعن ابن عبّاس رضى الله عنه : من قال إنّ آدم قال شعرا فقد كذب ، إنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله والأنبياء كلّهم في النّهي عن الشّعر سواء ، ولكن لمّا قتل قابيل هابيل رثاه آدم ، وهو سرياني ، فلمّا قال آدم مرثيّة قال لشيث : يا بني إنّك وصيّي ، احفظ هذا الكلام ليتوارث فيرقّ النّاس عليه ، فلم يزل ينقل حتّى وصل إلى يعرب بن قحطان وكان يتكلّم بالعربيّة والسّريانية ، وهو أول من خطّ بالعربيّة ، وكان يقول الشّعر ، فنظر في المرثيّة فردّ المقدّم إلى المؤخّر والمؤخّر إلى المقدّم ، فوزنه شعرا ، وزيد فيه أبيات (٦) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١١ : ٢٠٩ ، تفسير روح البيان ٢ : ٣٨١.
(٢) تفسير الرازي ١١ : ٢٠٩.
(٣) تفسير روح البيان ٢ : ٣٨١.
(٤) تفسير روح البيان ٢ : ٣٨١.
(٥) تفسير روح البيان ٢ : ٣٨١ ، خزانة الأدب ١١ : ٣٧٧.
(٦) تفسير روح البيان ٢ : ٣٨١.