بصركم على إدراك المحسوسات.
ثمّ أشار سبحانه إلى البرهان الثالث بقوله : ﴿وَكِتابٌ مُبِينٌ﴾ للحقّ ، وكاشف عن حقائق الأمور.
وقيل : النّور هو النبيّ صلىاللهعليهوآله (١) . وقيل : النّور والكتاب واحد (٢) .
وعن القميّ رحمهالله : يعني بالنّور : أمير المؤمنين والأئمّة عليهمالسلام (٣) .
﴿يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى
النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)﴾
ثمّ بيّن عظيم فائدة الكتاب تعظيما له ، بقوله : ﴿يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ﴾ وطلب باتّباعه وإطاعة أحكامه ﴿رِضْوانَهُ﴾ وقربه ﴿سُبُلَ﴾ دار ﴿السَّلامِ﴾ وطرق الجنّة ، أو سبل السّلامة من العذاب ﴿وَيُخْرِجُهُمْ﴾ بوسيلة هذا الكتاب ﴿مِنَ الظُّلُماتِ﴾ وأنواع كدورات الكفر والضّلال ، والجهل وهوى النّفس ﴿إِلَى النُّورِ﴾ من الإيمان والعلم والحكمة وكمال النّفس ﴿بِإِذْنِهِ﴾ ومشيئته وتوفيقه ﴿وَيَهْدِيهِمْ﴾ ويرشدهم ﴿إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ والدّين الحقّ القويم ، الموصل إلى جميع الخيرات وأكمل السّعادات.
﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً
إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه أنّ القرآن الكريم هاد إلى الحقّ ، ومنج من الضّلال ، بيّن غاية ضلالة النّصارى بقوله : ﴿لَقَدْ كَفَرَ﴾ النّصارى ﴿الَّذِينَ قالُوا﴾ واعتقدوا ﴿إِنَّ اللهَ﴾ والخلّاق المعبود ﴿هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ كما نسبت إلى اليعقوبيّة منهم ، بل هو لازم قول الملكانيّة القائلين بالأقانيم الثّلاثة ، حيث إنّهم قائلون بأنّ الكلمة اتّحدت بعيسى ، لأنّه إن أرادوا به ذاته تعالى يلزم منه القول بحلوله تعالى في عيسى ، فيكون عيسى هو الله ، وإن أرادوا من الكلمة علمه تعالى فحلول علمه مستلزم لحلول ذاته ، لأنّ علمه عين ذاته.
ثمّ بيّن الله تعالى بطلان هذا القول وفضاحته بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد لهم : إن كان الأمر كما تزعمون
__________________
(١) مجمع البيان ٣ : ٢٧٠ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٣.
(٢) تفسير الرازي ١١ : ١٨٩ ، وفيه : والكتاب هو القرآن.
(٣) تفسير القمي ١ : ١٦٤ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٣.