هل تعرفون شابّا أمرد أبيض أعور يسكن فدك ، يقال له ابن صوريا ؟ قالوا : نعم ، قال : أيّ رجل هو فيكم ؟ قالوا : هو أعلم يهودي بقي على ظهر الأرض بما أنزل الله على موسى. قال : فأرسلوا إليه. ففعلوا ، فأتاهم عبد الله بن صوريا.
فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : أنشدك الله الذي لا إله إلّا هو ، الذي أنزل التّوراة على موسى ، وفلق لكم البحر فأنجاكم وأغرق آل فرعون ، وظلّل عليكم الغمام ، وأنزل عليكم المنّ والسّلوى ، هل تجدون في كتابكم الرّجم على من أحصن ؟ قال ابن صوريا : نعم ، والذي ذكّرتني به ، لو لا خشية أن يحرقني ربّ التّوراة إن كذبت أو غيّرت ، ما اعترفت لك ، ولكن أخبرني كيف هي في كتابك يا محمّد ؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنّه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة ، وجب عليه الرّجم. فقال ابن صوريا : هكذا أنزل الله في التّوراة على موسى عليهالسلام.
فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : فماذا كان أول ما ترخّصتم به أمر الله ؟ قال : كنّا إذا زنى الشّريف تركناه ، وإذا زنى الضّعيف أقمنا عليه الحدّ ، فكثر الزّنا في أشرافنا حتّى زنى ابن عمّ ملك لنا ، فلم نرجمه ، ثمّ زنى رجل آخر فأراد الملك رجمه فقال قومه : لا ، حتّى ترجم فلانا - يعنون ابن عمه - فقلنا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرّجم يكون على الشّريف والوضيع ، فوضعنا الجلد والتفحيم (١) - وهو أن يجلدا أربعين جلدة ، ثمّ تسوّد وجوههما ، ثمّ يحملا على حمارين ، وتجعل وجوههما من قبل دبر الحمار ، ويطاف بهما - فجعلوا هذا مكان الرّجم.
فقالت اليهود لابن صوريا : ما أسرع ما أخبرته به ! وما كنت لما أتينا عليك بأهل ، ولكنّك كنت غائبا فكرهنا أن نغتابك ، فقال : إنّه نشدني بالتّوراة ، ولو لا ذلك لما أخبرته به.
فأمر بهما النبي صلىاللهعليهوآله فرجما عند باب مسجده ، وقال : أنا أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه. فأنزل الله سبحانه فيه : ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾ .
فقام ابن صوريا فوضع يده على ركبتي رسول الله صلىاللهعليهوآله ثمّ قال : هذا مقام العائذ بالله وبك ، أن تذكر [ لنا ] الكثير الذي امرت أن تعفو عنه ، فأعرض النبيّ صلىاللهعليهوآله عن ذلك (٢) .
ومن البراهين على رسالته بقوله (٣) : ﴿قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ﴾ بوساطة محمّد صلىاللهعليهوآله دين الإسلام الذي هو ﴿نُورٌ﴾ في الحقيقة ، حيث تتقوّى به بصيرتكم على إدراك المعقولات كما يتقوّى بالنّور الحسّي
__________________
(١) في مجمع البيان : والتحميم.
(٢) مجمع البيان ٣ : ٢٩٩ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٢.
(٣) كذا ، وتوجد كلمة بعد ( من ) غير واضحة. راجع النسخة ج ١ ص ٣٨٨.