﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي
مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ
اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢)﴾
ثمّ لمّا ذكر الله سبحانه أخذه الميثاق من المؤمنين ونعمته عليهم ، ذكر أخذ الميثاق من بني إسرائيل ونعمته عليهم عبرة للمؤمنين ، بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ وعهدهم الوثيق على العمل بأحكام التّوراة ﴿وَبَعَثْنا﴾ واخترنا ﴿مِنْهُمُ﴾ بلسان موسى وتعيينه ﴿اثْنَيْ عَشَرَ﴾ بعدد أسباطهم ﴿نَقِيباً﴾ وحاكما سائسا بينهم ، أو قيّما وكافلا لامورهم ، أو مفتّشا منقّبا لأحوالهم ، كما جعل النبي صلىاللهعليهوآله للأنصار اثني عشر نقيبا ﴿وَقالَ اللهُ﴾ بلسان موسى لبني إسرائيل أو لنقبائهم لترغيبهم إلى الطّاعة ، وترهيبهم عن المعصية ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ بالعلم والقدرة والنّصرة أسمع مقالكم ، وأرى أعمالكم ، وأطّلع على ضمائركم وأسراركم ، فاجازيكم على ما يصدر منكم.
ثمّ وعدهم بالثّواب مؤكّدا له بالقسم بقوله : ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ﴾ المفروضة ﴿وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ﴾ الواجبة ﴿وَآمَنْتُمْ﴾ عن صميم القلب ﴿بِرُسُلِي﴾ كلّهم من غير تفريق في الإيمان بين موسى وعزير وغيرهما ، فإن الإيمان بالرّسل شرط قبول الأعمال ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ ومنعتموهم من الأعداء بالنّصرة ﴿وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ﴾ أموالكم بصرفها في سبيل الخير ﴿قَرْضاً حَسَناً﴾ برغبة وخلوص نيّة ، بلا شوب بالرّياء والسّمعة ، إذن بالله ﴿لَأُكَفِّرَنَ﴾ وأمحونّ ﴿عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ﴾ وذنوبكم ، صغائرها وكبائرها ﴿وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ﴾ في الآخرة ﴿جَنَّاتٍ﴾ وبساتين ذات أشجار كثيرة ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ .
ثمّ نبّه الله تعالى على أنّ الكفر بعد وضوح الحقّ وظهور النّعم من أقبح أنواع الضّلال ، بقوله : ﴿فَمَنْ كَفَرَ﴾ بالله ونعمه ﴿بَعْدَ ذلِكَ﴾ العهد الوثيق ، والنّعمة العظيمة ، والوعد الأكيد بالثّواب ﴿مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَ﴾ وأخطأ ﴿سَواءَ السَّبِيلِ﴾ ووسط الطريق الموصل إلى كلّ خير ، ومقام القرب والدّرجات الرّفيعة من الجنّة ، ضلالا بيّنا وخطأ واضحا لا عذر معه أصلا ، بخلاف من كفر قبل ذلك ، فإنّه ربّما يكون عن الشّبهة وتوهّم المعذرة.
في أخذ موسى عليهالسلام النقباء وملاقاتهم عوجا
روي أنّ بني إسرائيل لمّا استقرّوا بمصر بعد مهلك فرعون ، أمرهم الله تعالى بالمسير إلى أريحا من أرض الشّام وهي الأرض المقدّسة ، وكانت لها ألف قرية ، في كلّ قرية ألف بستان ، وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيّون ، وقال لهم : إنّي كتبتها لكم دار قرار ، فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها ؛ وإنّي ناصركم ، وأمر موسى أن يأخذ من كلّ سبط نقيبا أمينا يكون